صور خارجة عن المألوف، التُقطت ونُفّذت بإحساس رسام يلاعب الخيال بحدّة الواقع. عتمة ونور وتقنية هندسية، أو محاولة لتعرية المدينة. يُفتح الباب على نساء إيران والغضب والأسى، بلمسة سوريالية جعلت من معرض Telling Spaces (مساحات للبوح)، للمصور الإيراني مجيد كورانج بيهيشتي، أكثر المعارض استقطاباً للزوار، الأوروبيين والعرب أكثر من الإيرانيين، وذلك في غاليري «أيام» في دبي، حيث يستمر المعرض حتى الخميس المقبل. ولد بيهيشتي عام 1967 في أصفهان، ونال بكالوريوس في الفنون الجميلة من جامعة طهران «آزاد». بدأ إقامة معارضه الخاصة في بلاده منذ 1998، ثم شارك في معارض جماعية في إيران والولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا بريطانيا وألمانيا منذ عام 2004. في عام 1999، فاز في المسابقة الدولية لحوار الحضارات، ثم حاز جائزة أفضل معرض صور للسنة عام 2000، واختيرت سلسلته «Cubic Pathways» (مسارات تكعيبية) كأفضل مجموعة في التصوير الفوتوغرافي الإبداعي في البينالي العاشر للتصوير الإيراني عام 2006. وفي حديث إلى «الحياة» يقول بيهيشتي: «لم يسبق أن عرضت أعمالي أمام جمهور عربي، وأذهلني تقديرهم لعملي، أنا سعيد». ويشرح أنه يقدّم مجموعتين: الأولى بالأبيض والأسود التقطتها عام 2005، والثانية ملونة أنجزها هذا العام. ويضيف: «في الأولى، أي «مسارات تكعيبية»، حاولت إيجاد الأبعاد الهندسية الطبيعية، لا سيما في محيط أمكنة امتدت إليها أيدي البشر، وركزتُ على لعبة الضوء... أما في المجموعة الثانية بعنوان «مفكرة المدينة»، فأردت إبراز كيف أن المدينة مثيرة للشفقة أحياناً. الناس في تلك اللوحات كالأشياء، وكأن الفوضى والنظام يجتمعان في كوميديا سوداء، لكني أبقيت رغبتي في البحث عن الرؤية الهندسية حتى في هذه المجموعة، إذ أن روح العمارة طابعة للمجتمعات، وحاولت فعل ذلك من دون الالتزام بخط واحد وواضح لتلك الروح المنشودة». أزمة الحرية لعل أكثر ما لفت الانتباه واستدعى الجدل بين زوار المعرض، المجموعة الثانية، لأن المرأة موجودة في كل صورة منها. يقول بيهيشتي: «حضور النساء قوي ودائم لأنهن علامة لإيران ولأزمة الحرية، وفي الكثير من صوري لا توجد صورة واحدة بموضوع واحد، بل أضفت أجزاء من صور إلى أخرى، مثل «الكولاج الفوتوغرافي»... والمعنى الأبرز هو البيئة الصعبة، ظاهرة كانت أو خفية. العنف والحزن في المدينة يطبعان البشر، سواء أدركوا ذلك أم لا». ويضيف بيهيشتي: «في هذا العصر، تُظلم نساء لأنهن ينتزعن أدواراً، ربما رُغماً عن المجتمع الذكوري المسيطر، فيتعرضن للهجوم من الرجال، بواسطة القانون أو العلاقات الحميمة التي تصاغ بحسب رغبات الرجال، للنساء طبيعة مختلفة في القيادة، في شكل ساحر، أعتبرها متفوقة على منطق الرجال، أردت أن يرى الناس ذلك النزاع المحتدم في صوري». إيرانيات محلّقات صورة واحدة لبيهيشتي انزاحت عنها أشباح المدينة بسلاسة، وهي التي اختيرت غلافاً لنشرة المعرض: صورة المرأة المحلّقة، وورق اللعب يتطاير حولها، وعلى وجهها محيّا السلام، فيما رجلا الأمن الصغيرا الحجم ينظران إليها من أسفل اللوحة، بلا حول ولا سلطان، «والغاية التعبير عن الخلاص من الموت والحياة معاً، التسامي على الفقدان، في السجن والحرية»، كما يشرح بيهيشتي. وبسؤاله عن اللمسة السوريالية الواضحة في أعماله، يقول: «السوريالية جوهر التصميم الفوتوغرافي، فالصورة لم تعد نسخاً للواقع، بل استجابة للفانتازيا والأحلام، رؤية خاصة». ويقلل من شأن الرقابة في إيران، على رغم كل معاناة المبدعين: «الرقابة تعني الحدود، تعطي توجيهاتها ضد المخيلة، لكن لا نظام يستطيع السيطرة على أحلام الفنان... قد يمنع إطلاق العمل الفني في الحيز العام، لكن لفترة معينة لا بد ستنتهي». غير أنه يلفت إلى تحرشات السلطة بالمصورين طالبي الحرية والاختلاف، فيما لا يستطيع الجزم بأن هذا أقصى ما قد يحدث: «قد يسوء الوضع، قد يصبح حمل كاميرا في إيران جريمة! لكني مؤمن بأنه يستحيل، حتى على أعتى الأنظمة، منع الصورة أو الإبداع». ولا تخطئ العين حضور رجال الأمن، دون وجوههم، في الصور. ويقول الفنان: «كل شخص أو شيء، لا نراه أو لا نفهمه، نخافه... أسبغتُ الغموض على هؤلاء الرجال، وفي إحدى صوري أعطيتهم رمزاً تاريخياً هي اللوحات الفارسية، إذ كأننا نتأرجح بين الماضي والحاضر، مع ثقل الواقع والمسرح كرموز ودلالات». ولدى سؤاله عن القتامة التي تتسرّب إلى النفس من صوره يقول بيهيشتي: «لم أتعمّد عرض الظلام والقسوة بالمطلق، لكني أعرض الواقع. لنكن منصفين، ثمة خطب ما في المجتمع، أمور سيئة ومشينة بحق، أحاول أن أعبّر عن رفضي، وأنفّس عن غضبي. نستطيع رؤية العالم بعيون أخرى بالطبع، لكن في الحالات التي عبّرت عنها، يُشترط ألا تكون تلك العيون الأخرى عمياء، فما أكثر العيون التي تنظر ولا ترى».