على مدار 5 أيام، استضاف قصر المؤتمرات في مدينة كيبيك الكندية، أعمال «المؤتمر الدولي الخامس للمهندسين والخبراء الزراعيين»، وحضره 800 مندوب جاؤوا من 30 دولة، وضمّ ممثلين رفيعي المستوى عن منظمات دولية، على غرار لوك غويو رئيس «منظمة الأممالمتحدة للغذاء والزراعة» («فاو»)، وكين آش مدير «منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية»، ومارسيل مازوير الاختصاصيي في نُظُم الزراعة ومكافحة الجوع. وجرت مداولات المؤتمر ومحاضراته باللغات الانكليزية والفرنسية والإسبانية. «إطعام الكوكب» جاء انعقاد المؤتمر، على حدّ قول رئيسه ميشيل سان بيير، في ظروف صعبة تستدعي حلولاً عملية، وتضافر إرادات دولية صادقة لمواجهة تحديات التنمية المستدامة والأمن الغذائي، إضافة إلى هشاشة نُظُم البيئة وضعف طُرُق الانتاج زراعياً. ولفت بيير الى ان هذه التحديات تضاف الى تحدّ أساسي يتمثّل في تأمين الطعام لسكان الكوكب، لتصنع مشكلة مُركّبة هي الأكثر خطورة في القرن ال 21، نظراً الى شدّة تداعياتها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. شكّل شعار «إطعام الكوكب» المحور الأساس في المؤتمر. وتفرّعت منه مجموعة من القضايا، تركّزت في مجملها على تطوّر أنساق الغذاء عالمياً خلال ال25 سنة المقبلة، والنهج الجديد في استخدام المياه لحاجات التربة والغذاء، وتأثير المناخ على الزراعة، وطُرُق معالجة الجوع وأسبابه ونتائجه، واستخدام القروض الصغيرة في مشروعات الزراعة وغيرها. وتناول المؤتمر أيضاً مسألة الارتفاع العالمي لأسعار الحبوب، وزيادة الطلب على الغذاء بمعدل 70% خلال الاربعين سنة القادمة. ومثّلت هذه العناوين خريطة طريق لتوفير الأمن الغذائي عالمياً، مع ملاحظة أن التحدي الأكبر يكمن في مصداقية الإرادات السياسية دولياً وجهوزيتها في التصدي لمسألة تغذية البشر في ظل تنامي الزيادة في السكان. في هذا السياق رأى غويو، وهو ممثل ال «فاو» في المؤتمر، أن التحدي الأكبر هو الجوع، الذي يحصد ملايين الارواح، لافتاً الى أن «كل جائع هو إنسان خطير، فكيف ببليون انسان يعانون الجوع سنوياً؟»، ويعتقد غويو بأن مستقبل الإنسانية والسلام رهن بما يأكله الفرد، خصوصاً أن سوء التغذية يصيب 70% من سكان الأرياف عالمياً. وفي اتجاه مماثل، جاء كلام الاختصاصي مازيرو، فعزا تفاقم الجوع في العالم الى سببين، هما انعدام العدالة في التوزيع من جهة، والتبذير والهدر في الغذاء من الجهة الثانية. وأشار إلى أن قرابة 30% من الغذاء يذهب إلى سلال المهملات. وأنحى باللائمة على «البنك الدولي» وسياساته، التي اعتبرها مازيرو مصدراً للقلق، لأنها تدعم الزراعة الصناعية على الزراعة التي تؤمّن الغذاء محلياً، وكذلك تشجعّ المضاربة على الغذاء في أسواق المال. ولفت الى أنه من غير المعقول ان يتغيّر سعر القمح مثلاً، أكثر من 45 مرة في العام 2010. مداخيل أقل جوع أكثر في المقابل، أعرب آش، وهو خبير في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» عن قناعته بأن مشكلة الجوع ليست نتيجة لارتفاع الأسعار العالمية، بل ناجمة عن تدني المداخيل. ورأى أن توفير الأمن الغذائي لملايين البشر ينبغي ان ينطلق من مكافحة الفقر بمعناه الواسع، عبر التعليم والتأهيل المهني الزراعي، وتوفير فرص العمل، وتوزيع الثروة المائية بشكل عادل. ولفت آش الى ان سكان الكوكب سيبلغ عددهم نحو 9 بلايين انسان في العام 2050، وسيحتاجون الى انتاج بليون طن من الحبوب و200 مليون طن من الإنتاج الحيواني. وشدّد آش على ضرورة تعميم استخدام التقنيات الزراعية الحديثة بين مزارعي بلدان الجنوب، مشيراً الى أن الفلاح الغربي استخدم هذه التقنيات في بداية القرن العشرين، فمكّنته من زيادة انتاجه بقرابة 10 أضعاف ما كان ينتجه المزارع الأفريقي حينها، وارتفع الفارق الى ما يزيد على 300 ضعف حالياً. وعلى رغم أن مسألة الجوع استأثرت بالحيّز الأكبر من مداولات المؤتمِرين، إلا ان ثمة قضايا اخرى لم تغب عن محاور النقاش، كالبحث عن تغيير أنماط الغذاء في اقتصاديات الدول الناشئة (الهند، الصين، البرازيل...)، وتزايد الطلب على بعض المحاصيل الزراعية المستخدمة في إنتاج الوقود الحيوي، ما ساهم في ارتفاع أسعارها، وتغيرات المناخ، وحاجات الطاقة، وتفعيل النظام البيئي، ومستقبل الزراعة التقليدية والتنوع البيولوجي والزراعة العضوية، والجفاف الذي ضرب بلدان الشمال الأميركي وروسيا فرفع أسعار الحبوب والذرة وفول الصويا وغيرها. واعتبر سان بيير هذا المؤتمر فرصة غير عادية لتعاون زراعي دولي يتصدى لتحديات القرن الواحد والعشرين. في المقابل، اقتصرت توصيات المؤتمر على دعوة البلدان الغنية إلى زيادة معوناتها المالية والفنية والتقنية لبلدان الجنوب، والحض على إلغاء الحواجز التجارية، وتأكيد استمرار الجهود الدولية في مكافحة نقص الغذاء، والدعوة للمثابرة في العمل على إنجاز أهداف الألفية الثالثة للتنمية، عبر تخفيض معدلات الفقر الى النصف بحلول العام 2015. كما أوصى بتعزيز الشراكة بين الدول المانحة والبلدان النامية، وتنسيق السياسات الاقتصادية والإنمائية مع وكالات الأممالمتحدة والمنظمات الدولية والأهلية والقطاع الخاص. ولا تزيد معظم هذه التوصيات عن كونها صدى لمثيلاتها التي صدرت في المؤتمر السابق (مدريد-2008). أياً يكن الأمر، يبقى أن مؤتمر كيبيك أسس، ربما للمرّة الأولى، برنامجاً متقدّماً لمكافحة الجوع والفقر عبر نقاشات جدّية مستفيضة ومعمقة استندت الى بيانات إحصائية دقيقة. وأعرب بعض الخبراء الكنديين عن أملهم بأن تظهر ملامح هذا البرنامج في السنوات القادمة. يشار إلى ان المؤتمر خصّص على هامش جلساته، عروضاً من بلدان مختلفة لتذوّق المنتجات الزراعية الطازجة والطبيعية، تطبيقا لشعار «إطعام العالم»، برزت من بينها أطعمة للنساء الريفيات في لبنان، رعتها «مجموعة البحوث والتدريب للعمل التنموي».