لاحظت منظمة الأغذية والزراعة في الأممالمتحدة «فاو»، أن الأداء «الإيجابي» للزراعة في إقليم أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، «تجاوز أوضاع الماضي مع تحسُّن آفاق القطاع». لكن أكدت استمرار الحاجة إلى «تدابير وسياسات مُنسّقة وهادفة للحفاظ على الزخم الحالي».ولفتت إلى أن بعد عقودٍ من الأداء السلبي، عاود القطاع الزراعي في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث يشكل المزارعون الصغار 80 في المئة، «اتجاه نمو تجاوز 3.5 في المئة العام الماضي، أعلى من معدل نمو السكان البالغ 2 في المئة». وأوضحت أن ما أدى إلى تحقيق هذه المكاسب، «بيئة السياسات الإيجابية السائدة لدى بُلدانٍ عدة في الإقليم، مقرونةً بالأسعار المرتفعة للسلع الغذائية، مثل القمح والرز التي أفادت المنتجين، فضلاً عن إنجازات تقنية كصنف الرز المحسّن الجديد الشديد المقاوَمة للجفاف، ما ساعد على رفع الإنتاج أيضاً في كل مناطق الإقليم». واعتبر المدير العام المساعد لدى «فاو» حافظ غانم، أن «الأنباء عن الطاقات الكامنة القوية للزراعة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى جيدة، إذ يشكِّل القطاع العمود الفقري للنمو العامّ لدى معظم بُلدان الإقليم»، مؤكداً أن «لا غنى عن الزراعة فيه للحدّ من الفقر وتعزيز الأمن الغذائي». وورد هذا التقويم للقطاع الزراعي في المنطقة، في ورقة عمل ل «فاو»، تناقش في منتدى للخبراء يُعقد في روما بين 12 و 13 تشرين الأوّل (أكتوبر) المقبل، للبحث في استراتيجيات «إطعام العالم عام 2050». وتوقعت المنظمة أن «ينمو سكان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من 770 مليوناً عام 2005 إلى ما بين 1.5 و 2 بليون نسمة في2050. وعلى رغم الهجرة السريعة من الحَضر إلى المدن، والنمو العددي لسكان المدن، يُرجح استمرار ازدياد العدد المطلق لسكان الريف». ولفتت ورقة عمل «فاو» إلى احتمال أن «يؤدي الطلب المحلي والإقليمي على السلع الغذائية إلى النمو الزراعي في عموم إقليم أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مع توسُّع المدن ونمو السكان على المديين المتوسط والطويل». ويجمع المنتدى 300 خبير بارز من مؤسسات القطاع الخاصّ، والمنظمات غير الحكومية، والهيئات الأكاديمية من البلدان الصناعية والنامية. ويمهّد هذا الحدث الرئيس المتخصّص، الطريق إلى عقد مؤتمر القمة للأمن الغذائي بين 16 و 18 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل في مقر المنظمة في روما. إدارة الموارد الطبيعيّة وتناولت «فاو» وفرة الموارد الطبيعية التي يملكها إقليم أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بما فيها المياه، لكن أشارت إلى «خلل في مجال التوزيع المائي، إذ يُروى أقل من 3 في المئة من المحاصيل الغذائية في المنطقة حالياً، مقارنةً بمتوسط يفوق 20 في المئة على الصعيد العالمي». ورأت المنظمة أن من شأن تعميم الريّ «زيادة المحاصيل والإنتاج في شكل ملحوظ، في حين تُستخدم أراضي الإقليم جزئياً أيضاً». وتُقرّ بأن «أيّ توسّع في استعمال الأراضي لأغراض الزراعة ينطوي على نتائج بيئية كامنة»، لكنها قدّرت «الزيادات الإضافيّة الممكنة كَميّاً كرقعة متاحة للزراعة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بما يزيد على 700 مليون هكتار». وأبرزت تحديداً منطقة سهل غينيا العُشبي، الذي يفوق مرّتين الرقعة المزروعة قمحاً في أنحاء العالم». ولاحظت أن «ما يُستغل في الزراعة حالياً لا يتجاوز 10 في المئة من سهل غينيا العشبي، الذي يغطّي 600 مليون هكتار». وفي كل الأحوال، يتطلب «تسخير الأراضي الزراعية الجديدة استثمارات ضخمة في البُنية التحتية والتكنولوجيا، وضمانات الحماية تجنّباً للتأثيرات السلبية على البيئة». تحديات أخرى وتحدّثت «فاو» عن تحديات أخرى يجب على الحكومات التغلّب عليها، والجهات المانحة الدولية، والقطاع الخاصّ لتحسين قطاع الزراعة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وضمان أن يوازي النمو الزراعي والريفي جهود الحدّ من الفقر. وتتضمن هذه التحديات ضَعف التكامل الإقليمي وهيئات الحوكمة الزراعية، والنقص المؤسساتي في بعض البلدان، إضافة إلى النزاعات والأمراض، مثل فيروس نقص المناعة البشرية، وعدم قدرة المزارعين الصغار على الوصول إلى الأسواق، وضرورة إيجاد فرص عمل في الريف النائي، وتأمين التدريب الكافي لأجيال الشباب. وشددت على الحاجة إلى «إرساء البرامج والسياسات لتعزيز دعم قدرة المزارعين الصغار على خوض القطاعات الدينامية الإقليمية والوطنية، والنفاذ إلى الأسواق الدولية». وتوصي ورقة العمل التي أعدتها المنظمة ب «تقليص الأتعاب على الصفقات من جانب الأطراف الثلاثة خصوصاً لصِغر حجمها، والحدّ من الخسائر في محاصيل المزارعين، وتيسير إنشاء التعاونيات والأشكال الأخرى من جمعيات العمل لضمان مقاييس مثالية دنيا، فضلاً عن ضبط النوعية والجودة وسلامة المواد الغذائية ومراقبتها. وأكدت أن «لا بد للسياسات من مراعاة حماية المزارعين الأفارقة من الفيضانات والجفاف وصَدمات أسعار الغذاء الدولية». واعتبرت أن «نقل المعارف والتقنيات من البلدان الثرية إلى الدول الفقيرة، إلى جانب الاستثمار المتزايد في البحوث الزراعية، شروطٌ أساسية مُسبقة أيضاً لإحراز أي تقدّم في معالجة قضايا الجوع والتنمية الريفية في الإقليم». تحدياتٌ نوعيّة وتطرّقت ورقة العمل إلى تحديات نوعية، تتمثل في أن «نحو 218 مليون شخص في أفريقيا جنوب الصحراء، أي نحو 30 في المئة من سكان القارة، سيعانون الجوع المُزمن وسوء التغذية، كما أن 80 في المئة من مَزارع أفريقيا، تبلغ رقعة كل منها أقل من هكتارين، وعددها 33 مليوناً». وخلصت المنظمة في ورقتها إلى أن القارة «تملك إمكانات ضخمة للنمو، في حال حصل المزارعون في الإقليم على المساعدة للتغلّب على هذه التحديات وتجاوزها، وأُتيح لهم التمتّع بفرص التسويق الجديدة والمحسّنة في ظل تراجع وطأة الأزمة الاقتصادية العالمية».