يعاود مجلس الوزراء اللبناني مناقشة مصادر تمويل مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب الذي أَقرّه سابقاً، على أن يُحال على المجلس النيابي بعد إقرار هذه المصادر، ليصدر بقانون ويصبح نافذاً. وتهدف المناقشة، إلى الخروج بصيغة متوازنة بين تأمين الإيرادات وتفادي تداعيات الإجراءات الضريبية على الاقتصاد والنمو وتأمين فرص العمل. وتُعتبر إعادة البحث في هذه الإجراءات ضرورية، لتزامنها مع طرح مشروع موازنة عام 2013، الذي يتضمن أيضاً إجراءات ضريبية ترمي إلى جمع إيرادات تموّل عمليات الإنفاق العام التي تشمل السلسلة. إذ يتطلب هذا الإنفاق الضخم أن تواكبه تدابير تمنع توسّع فجوة العجز في الموازنة وزيادة الدين العام. ورأى خبراء وهيئات اقتصادية أن توقيت تعديل السلسلة غير ملائم في ظل الظروف الاقتصادية، والإجراءات المقترحة متسرّعة، وأجمع على هذا الرأي الوزير السابق رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان الوزير السابق عدنان القصار، والوزير السابق المستشار التنفيذي الأول في شركة «بوز أند كومباني» جهاد أزعور، والمدير التنفيذي في مؤسسة البحوث والاستشارات كمال حمدان، في لقاءات مع «الحياة». شّدد القصار، على «التمسّك بموقفنا الرافض إلى آخر المطاف، نظراً إلى التأثيرات السلبية الكبيرة لمشروع السلسلة وتبعاتها الضريبية على الاقتصاد ومصالح اللبنانيين من دون استثناء». واعتبر أن «تحركنا ليس موجهاً ضد الحكومة ولا ضد موظفي القطاع العام، بل تداركاً للأخطار التي ستترتب عن السياسات الضريبية والاقتصادية الخاطئة». وإذ أعلن أن الهيئات «ليست ضد إقرار زيادات غلاء المعيشة لموظفي القطاع العام»، عارض «الأعباء الضخمة الأخرى المترتّبة عن السلسلة، والتي جاءت متسرعة وغير مدروسة، ومن شأنها أن تصل بالزيادات على الرواتب في القطاع العام إلى 60 في المئة، من دون ان يواكبها تعزيز للإنتاجية أو إصلاح يعزز تنافسية الاقتصاد». ورأى أن هذا «الأمر سيرتب أعباء لا تقل عن بليوني دولار سنوياً، بتمويل دائم وليس باقتطاع لمرة واحدة، وبمصادر تمويل ضريبية مرهقة، فضلاً عن تراجع القدرات الشرائية»، لافتاً إلى أن «مشروع قانون الموازنة لعام 2013 ينطوي على كلفة 1.45 تريليون ليرة، تشكل قيمة قسطين فقط من السلسلة» التي ستقسط حتى عام 2016. وأكد القصار أهمية أن «يأتي الإصلاح قبل إقرار أية زيادات، وأن يستمر متلازماً معها كي تكون الزيادات انعكاساً واقعياً لزيادة الإنتاجية والنمو المحقق، وبما يؤمّن بالتالي القدرة على الاستمرار في تمويلها». وشدد على ضرورة أن «يكون الحل مرتكزاً على أمرين أساسيين، هما تعزيز كفاءة الاقتصاد، وتقليص الأعباء والنفقات غير المجدية». وأكد أن «الأولوية اليوم لتعزيز الاستثمار العام والخاص في البنية التحتية». أزعور واعتبر أزعور، أن سلسلة الرتب والرواتب «ليست تصحيحاً للأجور ولا ترتبط بتطور التضخم وغلاء المعيشة، بل تشكل جزءاً من عمل إصلاحي للإدارة ويجب أن تكون من ضمنه، وإقرارها بهذا الشكل خطأ مبدئي لاستخدامها كإضافة على تصحيح الأجور». وأشار إلى أن بإقرار هذه السلسلة «يصبح أصل الراتب في القطاع العام والإضافات أعلى كثيراً من معدّل المعاشات في القطاع الخاص، وهذا الوضع يناقض كلياً الأنظمة الاقتصادية، وهو خطأ اقتصادي موضوعي». أما بالنسبة إلى التوقيت، أكد أزعور أن «لا موجب حالياً لتعديلها»، على عكس تصحيح الأجور الذي «ارتبط بعناصر موضوعية تتمثل بحصول ارتفاع في الأسعار والتضخم الذي أفضى إلى تدنّي القيمة الشرائية للدخل». وجاء إقرارها «غير ملائم لتزامنه مع تصحيح الأجور الذي رتّب كلفة كبيرة، في ظلّ وضع اقتصادي غير مؤاتٍ، وتباطؤ النمو الذي كان يمكن أن يستوعب هذه الزيادة، فضلاً عن الأعباء الإضافية التي تضغط على المالية العامة، والمتمثلة بعجز الموازنة المقدر أن يتخطى مستواه المسجل العام الماضي، بفعل ازدياد النفقات العامة بقيمة 4500 بليون ليرة بين عام 2011 وهذه السنة، يُضاف إلى كل ذلك، عدم إجراء الإصلاحات». وأعلن أزعور أن الخطأ الآخر، يكمن في عدم الأخذ في الاعتبار احتمال أن يفتح هذا المشروع الذي «انطلق في البداية لتحسين هيكلة المداخيل في السلك القضائي، الباب على مطالبة أسلاك إدارية أخرى» بإجراءات مماثلة. كما «لا يلحظ الموظفين في المؤسسات العامة وعددهم 23 ألفاً، وهم يزيدون على موظفي الإدارة، إذا استثنينا المعلمين والأسلاك العسكرية، وتزيد معاشات هؤلاء على رواتب موظفي الدولة، وربما تحرّك هؤلاء ليشمل التعديل مداخليهم. ورأى أن «لا مفرّ من زيادة الضرائب والرسوم لتمويل السلسلة، التي تحتاج إلى 2500 بليون ليرة، ما يعني ارتفاع مجموع الإنفاق إلى 7000 بليون ليرة، إذا قارناها مع عام 2011، وبلغ في حينه 18700 بليون ليرة»، محذراً من «عدم إمكان زيادة العجز بهذا الحجم، في ظل تباطؤ النمو». حمدان واعتبر حمدان، أن مطالبة هيئة التنسيق النقابية وموظفي القطاع العام بتصحيح الأجور هي «حق في المبدأ»، لأن التعديل الأخير للأجور الذي ينطبق عليه التصحيح الحقيقي لها «حصل عام 1996 أي منذ 16 سنة، ارتفع خلالها مؤشر أسعار الاستهلاك نحو 110 في المئة، ولم يحصل موظفو القطاع العام خلال هذه الفترة إلا على تصحيح مرتجل عام 2008، تراوحت نسبة الزيادة الوسطية بين 18 في المئة و20 في المئة». وأوضح أن القوة الشرائية للأجر الفعلي «كادت ان تخسر حتى مطلع هذه السنة نصف قيمتها في منتصف تسعينات القرن الماضي». وأشار إلى شوائب في «تعامل الحكومة والقائمين على الإدارة العامة مع تصحيح الأجور في هذا القطاع، تمثلت بالتقصير وقصر النظر والتسرّع». فكان التقصير ب «ترك الأجور وسلسلتها من دون أي تصحيح جدي على مدى عقد ونصف عقد. أما قصر النظر فتمثّل في سهولة تقبّل الحكومة فكرة ردم هذه الفجوة دفعة واحدة، فكان أن صدر مشروع تعديل السلسلة عن ديوان المحاسبة قبل أشهر، وتلقفته هيئة التنسيق في وقت لم تكن غالبية الطبقة السياسية أُحيطت علماً به سابقاً». أما التسرّع، فبرز في «جولات التفاوض الملتبسة التي عقدتها الحكومة مع هيئة التنسيق قبل دراسة تمويل تكاليف السلسلة الجديدة، والآثار الماكرو اقتصادية المترتبة عليها، لجهة انعكاسها على حجم الإنفاق العام والعجز والدين وكلفة خدمته، وهي أمور تتحمل الطبقة السياسية لا العمال مسؤوليتها في كل الأحوال». ولاحظ حمدان، أن الحكومة «فاتها تزامن طرح هذا الملف بالصفات المبيّنة أعلاه، مع عوامل غير مشجعة أهمها ميل معدلات النمو إلى التراجع، وتفاقم الضغوط والأعباء على مؤسسات الإنتاج بفعل هذا التراجع وارتفاع كتلة الأجور، والاتجاه نحو رفع سقف الاشتراكات للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي». وعن التمويل، أكد أن البنود الضريبية المقترحة «لا ترقى إلى الجدية وهي أقرب إلى «وصفات» تمرين حسابي بسيط ومجتزأ، لا يستند إلى مسوّغات إحصائية علمية». وبخلاف ما تدعيه الحكومة فهي «لا تبدو حيادية» من الناحية الضريبية، إذ يتبيّن بعد مراجعة تفاصيلها، «تركيزها على زيادات في الضرائب والرسوم غير المباشرة التي تطاول الغالبية الساحقة من المواطنين». وأوضح أن ما تضمنته اللائحة من ضرائب ورسوم مباشرة هي «من النوع الذي يسهل عملياً تحميل أعبائه إلى عموم الناس، فيصبح من حيث مفعوله أقرب إلى الضرائب والرسوم غير المباشرة، ومن شأنه أن يدفع مستوى التضخم إلى الارتفاع». وحمل حمدان، على «السهولة التي تتوقع فيها الحكومة عبر سيناريو الإيرادات المقترحة، زيادة الإيرادات الضريبية الإجمالية خلال سنة واحدة بنحو بليوني دولار، أي ما يمثل 30 في المئة من الإيرادات الإجمالية لعام 2011 ، وهو أمر لم يسبق تحقيقه في سنة واحدة في أي من بلدان العالم».