منذ أعوام لم تعد تستهويني حكايات العشاق والأفلام الرومانسية، ففي صحارينا الجميلة يتحول معظم الناس بعد ال30 إلى «ريبوتات» نشيطة ليس لديها الوقت لمثل هذا الترف... صحيح أن هناك كثيراً من الحالمين يرفضون وصف «الرومانسية» بالترف، لكن في المقابل هناك أكثر منهم يؤكدون أن حكايات العشق برمتها مجرد ترف كلامي وعاطفي عبر ترديدهم المثل العامي الشهير: «إذا دخل الفقر من الباب خرج الحب من الشباك»، فلو كان «الحب» حال أساسية وليست «ترفيّة» لما هرب من الشباك وقت الأزمات. الوضع يتطور لدى أناس آخرين ليؤكدوا أن العاطفة الإيمانية أيضاً قد تمثل حالة «ترف» يُسقطها «الفقر» بهجمة مباغتة، وتساند هذا التوجه المقولة الشهيرة المنسوبة للصحابي الجليل «أبو ذر الغفاري»، رضي الله عنه: «إذا ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر خذني معك». وعود على عنوان المقالة المقتبس من عنوان الرواية العالمية الشهيرة «الحب في زمن الكوليرا» للروائي الكولمبي جابرييل غارسيا ماركيز، يمكنني أن أؤكد للعشاق من متوسطي الدخل في السعودية أن استمرار مشاريعهم العاطفية بات مرتبطاً ارتباطاً كلياً بتوافر «اللحوم الحمراء والدواجن» بأسعار في متناول أيديهم، هذا طبعاً استناداً إلى التصريح المثير الذي تداولته وسائل الإعلام أخيراً على لسان وزير الزراعة فهد بالغنيم، وأشار فيه إلى أن «متوسطي الدخل في المملكة لم يعد بمقدورهم شراء اللحوم الحمراء بسبب ارتفاع أسعارها، ما أدى لتوجّههم لشراء الدواجن»، وما تبع ذلك التصريح من قفزات مفاجئة لأسعار الدجاج تُنذر بأن الحب في زمن غلاء «اللحمة» بات مشروعاً خاصاً بالأغنياء، وقد يشاركهم فيه السادة «النباتيون» في أوقات الفراغ. الأمر المطمئن في قضية إضراب اللحوم والدواجن عن الحضور على موائد متوسطي الدخل، وبالتالي منخفضي ومنعدمي الدخل، يكمن في أن هذا الوضع كفيل بكبح جماح تكاثر السكان، و«تكاثر السكان» هذا كما يعلم الجميع هو السبب الرئيس في زيادة أعداد العاطلين عن العمل، وزيادة الحوادث المرورية، وكذلك عجز المستشفيات عن أداء أدوارها بشكل جيد بسبب التزاحم الشديد على أبوابها، كما أن «التكاثر» من دون حساب سبب أيضاً في عجز وزارة التربية عن مواكبته وبناء مدارس حديثة ما اضطرها إلى تكديس الطلاب في غرف صغيرة داخل مبانٍ مستأجرة تفتقر لوسائل السلامة. طبعاً ليس مطلوباً منك أيها القارئ النبيه أن تعقد مقارنات مريبة بين عدد سكان الصين مثلاً وعدم مواجهتهم لأزمات غذائية مشابهة لأزمات موائد متوسطي ومنخفضي ومنعدمي الدخل في السعودية، فأولئك القوم يتمتعون ب«كروش» صغيرة، إضافة إلى أنهم لا يثرثرون كثيراً بشكل يستهلك طاقتهم ويزعج الوزارات المسؤولة عن أمنهم الغذائي المرتبط أيضاً بأمنهم العاطفي وتكاثرهم... عليك فقط الدعاء مخلصاً لله بأن تتحرك وزارتا الزراعة والتجارة لوقف التعقيدات التي تواجه استيراد اللحوم والدواجن، وتدعو بقلب سليم إلى أن تكون كميات اللحوم والدواجن المستوردة كفيلة بإغراق الأسواق المحلية تماماً وإفلاس «الدجاجيين المحليين» الذين ثبت أنهم يتلاعبون بأمنك العاطفي وتكاثرك بمزاج وسلطنة. [email protected] @Hani_Dh