بعض قصصنا المحلية - وإن كان غيرنا يحسبها خيالاً - تظل عالقة بالوجوه، فلا نحن الذين مسحنا وجوهنا وقطعنا وعد شَرَفٍ حيال حلها، ولا نحن الذين اعتزلنا وخجلنا على وجوهنا من استمرار مسلسلات التنظير والتسويف والتأجيل تجاهها، ولثقتي في أنه لا عيب أن نعود للوجع ذاته كي نطرق في رأس من تركه يسْتَفْحِل، وعلى رغم إيماني بأن تكرار الطرح لا يفيد في ظل غياب «الشطار»، لكني متفائل بأن الكلمات للمرة الأولى تُتَجاهل، وفي الثانية تُسْمَع بعض الشيء، إنما في المرة الثالثة سيأتي التغيير، ولعل «الثالثة ثابتة»، كما يقال، وإن كنت لم أصل لها. كنت أؤمل في المرة الأولى أن أجد صدى لصوتي بالنيابة عن الموجوعات ل19عاماً «حينها»، وها هن خريجات دبلوم الكليات المتوسطة يبلغن عامهن ال20 من الترقب وانتظار بصيص الأمل، ولكن لم يكتب لهن أن يخرجن من رحم المعاناة والألم والقهر، وإن أردنا استعارة مفهوم آخر لأجل استيعاب مهزلة ال20 عاماً من الانتظار فسأقول بأنه «لا أذن سمعتهم ولا شكوى أفادت» طيلة هذا العمر الطويل. بالفعل القصة تُحسَب استثناءً بحق، وتفتح ألف علامة استفهام، بل تظل أغرب قصصنا المحلية بالمقارنة والمقاربة مع العمر الزمني والفئة المستهدفة ومسلسل الوعود والمماطلات الذي بدأ قديماً لكنه لم يأتِ، ولعلها أثبتت في أسوأ الأحوال من هم أول من يستحق دخول موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، ممثلين عن بلدي في قائمة العاطلين والعاطلات، وللأسف مصحوباً بالحقيقة المرة أن دخول الموسوعة هنا أنثوي بحت، على رغم توجسنا من أي تمثيل عالمي لامرأة سعودية إلا أنها ستمثلنا كصاحبة أطول انتظار لوظيفة، على رغم تسلحها بالشهادة التي كانت تؤهلها لوظيفة فورية آنذاك. 20 عاماً و9000 خريجة من خريجات دبلوم الكلية المتوسطة يحلمن بربع وظيفة قبل أن يدخلن القبر، هذا إن لم يكن قد دخل بعضهن إليه، من الغُلبِ والغبن والاصطدام بمسؤولين جبناء لا يجيبون عن الأسئلة الموجهة لهم باقتدار، ويقسمون في المساحة الواسعة من القضية والتوقيت المناسب على الحل، أو يعلنون بصراحة وشجاعة بأن الحل ليس في يديهم ولا في يدي من هو أقل منهم. كنت - ولا أزال - أحلم بمواطن مخلص من وزن مسؤول ليعلن أين الخطأ بالضبط؟ ومن المتسبب؟ ومن وقف وراء الطموحات، وكتم الأنفاس، وإسكات الأصوات، أو لأقل تجاهلها لعقدين من الزمن من دون التفاتة ولو بعين واحدة. نرتكب حمقاً كبيراً، ونسهم في ولادة احتقان «لا» لازم له حين نفتح بوابات القبول، وندغدغ المشاعر بوظائف وأرقام ثم نبيع كميات كبيرة من الوعود والسراب، ونتعلم كيف نضع في الآذان طيناً وعجيناً بطريقة لا علاقة لها بالتخطيط والدهاء قدر ما هي راسخة الضياع، نحزن على بناتنا اللاتي أصبحن أمهات، أو غدون جدات على طول العهد بالتخرج والوظيفة والفرح، بالفعل نحن ركلناهم للزمن وللحظ الرديء ولظروف الحياة الصعبة من دون أن يتحرك قلب حي أو يتنازل ضمير مسؤول، يبدو أن 20 عاماً من الحزن والإحباط لبنات البلد لم تكن كافية، لأن يستيقظ الضمير أو يحيا القلب، ويظل السؤال المر متمدداً هنا إلى وقت غير معلوم: «هل لقضيتهن من حل... يا أهل الحل»؟ [email protected] @alialqassmi