لا تتصدر الأزمة المصرفية في قبرص الأخبار الدولية، إذ تقع هذه الجزيرة على الطرف الشرقي للاتحاد الأوروبي اليوم، ضحية مراهنات ضخمة تقودها مجموعات نفطية عالمية، وبعضها سويسري الجنسية، أشعلتها عمليات اكتشاف الغاز أمام الشواطئ القبرصية. على رغم التوتر الحاصل مع تركيا، يبدو أن الحكومة القبرصية تنوي تسريع نشاطات استخراج الغاز وتصديره في أقرب وقت. واعتماداً على الأجندة الحكومية، تتجه قبرص نحو استغلال مستودعات الغاز المائية حتى عام 2017، على أمل المباشرة في تصدير الكميات المستخرجة عام 2019. وتأمل قبرص أن يصبح الغاز منبعاً مهماً لضمان إيرادات ضخمة تُستخدم في تمويل خزائنها الفقيرة. ومع ذلك، يجب على حكومتها ادخار بعض المال غير الموجود بعد، لاستخراج الغاز من مياهها الإقليمية. لذا، لا يستبعد الخبراء السويسريون، لجوء حكومة قبرص إلى اتفاقات سرية مع بعض المجموعات النفطية لتغطية تكاليف مرورها، من زمن الفقر إلى زمن الغنى في الطاقة. يُذكر أن هذه الزاوية، من البحر الأبيض المتوسط، التي تجمع قبرص ولبنان وإسرائيل تحت سقف واحد، تحتوي على مستودعات من الغاز تقدر بنحو 3.5 بليون متر مكعب، ما يعادل الاستهلاك العالمي للغاز على مدى عام واحد. كما تحتاج قبرص إلى ما بين 8 بلايين دولار و10 بلايين، لبدء عمليات استخراج الغاز في موازاة بناء محطة حديثة لمعالجته، فيما تنوي إنشاء خط أنابيب يربطها بالقارة الأوروبية. ورأى خبراء النفط في سويسرا، أن المياه الإقليمية القبرصية تحتضن ما لا يقل عن 300 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. ولا شك في أن اكتشاف الهيدروكربونات الغازية (الغاز الطبيعي) في قبرص، التي تعيش عادة من الصناعات الخدماتية والمصرفية، سيغيّر ملامحها التجارية جذرياً. صحيح أن اكتشاف الغاز نبأ عالمي مهم، لكن الاستعداد لاستخراجه في الأعوام الخمسة المقبلة لن يساهم فوراً، في العثور على الحلول المواتية لدولة غرقت في الديون بسبب الاستثمارات العشوائية التي نفّذتها مصارفها. وهكذا، فإن الحل الناتج من الغاز، لن يساعد قبرص في الخروج من أزمتها على المدى القصير. أما المستثمرون السويسريون في القطاعين الخاص والرسمي، فهم مستعدون لدعم قبرص مادياً. لكن التوازن السياسي الحساس فيها خصوصاً الوجود التركي شمال جزيرة قبرص ربما يؤثر مباشرة في تدفق حركة الاستثمارات الخارجية، ومن ضمنها تلك السويسرية إلى أنابيب أعمال الغاز القبرصي. إذ أن حكومة أنقرة، التي لا تعترف بجمهورية قبرص، عازمة على عرقلة أعمال تصدير الغاز القبرصي إلى الخارج، في وقت بدأت تركيا تنفيذ عمليات استكشاف الغاز شمال قبرص. بالطبع، ستلجأ قبرص التي تتولى اليوم رئاسة الاتحاد الأوروبي، إلى تعزيز ثقلها السياسي في المنطقة بهدف ضمان استخراج الغاز تحت مظلة أوروبية، من طريق طرح مسودة قوانين تتصل بالطاقة، ويُفترض أن يوقع البرلمان الأوروبي عليها حتى نهاية السنة.