شكّلت «الانتفاضة» التي شهدتها مدينة بنغازي، عاصمة شرق ليبيا، في وجه جماعات «سلفية جهادية»، ليلة الجمعة - السبت، أول تحرّك شعبي بهذا الشكل ضد الميليشيات المسلحة التي ترفض تسليم سلاحها إلى الحكم الليبي الجديد. وعلى رغم أن هذا التحرّك الشعبي الذي انتهى بإخلاء السلفيين قواعدهم وانسحابهم من المدينة إثر مواجهات دامية، قد يكون مرتبطاً بغضب شريحة من سكان بنغازي من التورّط المزعوم للسلفيين في حادثة مقتل السفير الأميركي كريس ستيفنز، إلا أنه يعكس أيضاً تنامياً متزايداً للاستياء من ممارسات بعض السلفيين - الجهاديين في أكثر من دولة من دول «الربيع العربي»، كما في تونس ومصر. وهاجمت حشود غاضبة ضمّت الآلاف في بنغازي مساء الجمعة مقرات تابعة لجماعة «أنصار الشريعة» وكتائب أخرى تُعرف بأنها للسلفيين على رغم أنها منضوية تحت راية وزارة الدفاع الليبية. واشتبك المحتجون مع المقاتلين الإسلاميين حول بعض ثكناتهم ووقع تبادل لإطلاق النار أوقع العديد من القتلى والجرحى. وانتهت المواجهات بانسحاب السلفيين من مقراتهم التي تم إحراقها وتدميرها. وقالت جماعة «أنصار الشريعة» إنها انسحبت احتراماً لرغبات أهل بنغازي وحقناً للدم. وثار غضب سكان هذه المدينة قبل أيام عندما نظّم السلفيون احتجاجاً ضد الفيلم المسيء للرسول الكريم أمام القنصلية الأميركية في بنغازي، في حادثة انتهت بمقتل السفير ستيفنز وثلاثة أميركيين آخرين. وكان مصدر الغضب الأساسي أن ستيفنز نفسه لعب دوراً بارزاً في حماية بنغازي في مواجهة قوات معمر القذافي في بداية الانتفاضة ضد نظامه مطلع العام الماضي. وتبنت جماعة «أنصار الشريعة» الاحتجاج ضد القنصلية لكنها نفت مسؤوليتها عن مقتل السفير، من دون أن تدين الجريمة بعبارات واضحة. ولم يبرر المحتجون في بنغازي، ليلة الجمعة، تحركهم ضد السلفيين بقضية مقتل السفير الأميركي، لكنهم قالوا إنهم يريدون أن تسلّم الميليشيات أسلحتها للدولة بهدف السماح بقيام جيش وقوات أمن نظامية. وقال أحد المحتجين إنه شارك في التحرك ضد السلفيين لأنه لا يريد أن يقوم مسلحون «بالزي الأفغاني» بتفتيشه على حواجزهم التي يريد أن تشرف عليها قوات أمن ترتدي زياً رسمياً. ويأتي التحرك ضد السلفيين في ليبيا في وقت تشهد تونس المجاورة بدورها إجراءات حكومية للحد من تنامي نفوذهم وقيامهم بفرض قوانينهم وتطبيقهم لمفهومهم للشريعة بمعزل عن رأي السلطات. وتسعى وزارة الداخلية التونسية حالياً إلى اعتقال قادة في جماعة «أنصار الشريعة» التي شاركت قبل أسبوع في الهجوم على السفارة الأميركية في العاصمة وإحراق جزء منها.