حتى قبل العام 2005، لم يكن أكثر السعوديين تفوقاً وتفاؤلاً يحلم بالحصول على منحة دراسية في أفضل جامعات العالم بالسهولة التي يجدها المتقدمون على برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي الذي أكمل في العام الجاري 2012 عامه السابع منذ انطلاقته، فيما سيمتد البرنامج ثلاث سنوات أخرى تنتهي في العام 2015 توزع فيها المبتعثون والمبتعثات السعوديون للدراسة في أكثر من 20 دولة حول العالم أبرزها الولاياتالمتحدة الأميركية وكندا وبريطانيا ودول أوروبا الشرقية والوسطى، إضافة إلى دول الشرق والجنوب الآسيوي وأستراليا ونيوزلندا. وعلى رغم أن فرص الابتعاث كانت حاضرة في السبعينات والثمانينات الميلادية، إلا أن المعاصرين لتلك الحقبة يعرفون أن الحصول على منحة دراسية في ذلك الحين كان أمراً صعباً لا يفوز به إلا فئة محدودة من الطلاب الذين يحملون تقديراً ممتازاً أو ممن لديهم نفوذ عند عند أصحاب القرار. وجاء العام 2005 ليشكل منعطفاً تاريخياً في مسيرة التعليم العالي في السعودية، وهو العام الذي شهد تسلم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في البلاد. إذ أعلن برنامجاً طموحاً للابتعاث الخارجي على خمس مراحل (خمس سنوات) اقتصرت أولى مراحله على جامعات الولاياتالمتحدة الأميركية. وبدت الشروط المعلنة للالتحاق بالبرنامج ميسرة، أبرزها أن يكون المتقدم حاصلاً على تقدير جيد جداً، وألا يكون شاغلاً لوظيفة حكومية رسمية، وهو ما مكن نحو 10 آلاف طالب وطالبة من تحقيق حلم طالما راودهم. وفي العام 2006 أضافت وزارة التعليم العالي دولاً جديدة في المرحلة الثانية من البرنامج تمثلت في دول شرق وجنوب آسيا مثل اليابان وكوريا وماليزيا وسنغافورة والصين، إضافة إلى أستراليا ونيوزلندا مع استمرار الابتعاث إلى الولاياتالمتحدة الأميركية. ولأن فوائد برنامج الابتعاث لا تقتصر على الجانب التعليمي والمعرفي للطلاب والطالبات، بل تتعداه إلى الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية بين البلدان جرى التوسع في البرنامج في المراحل الثالثة والرابعة والخامسة ليشمل كندا وعدداً من الدول الأوروبية المتفوقة في التعليم مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ليصل عدد الدول التي يبتعث إليها الطلاب السعوديون إلى 20 دولة مختلفة ومتنوعة بعلومها ونشاطاتها، وإنما التوسع حتى في التبادل المعرفي والثقافي بين المملكة والشعوب والدول الأخرى، كون السعودية ليست مرتبطة بالغرب فقط بل لها ثقلها في الشرق أيضاً. وفي حين اقتصرت فرص الحصول على منح دراسية في تاريخ الدولة السعودية في الفترة بين 1950- 1985 على حاملي شهادة مرحلة البكالوريوس وما يليها من درجات علمية من الماجستير والدكتوراه، تميز برنامج خادم الحرمين بابتعاث خريجي المرحلة الثانوية أيضاً. إذ أصبح القبول في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي خياراً إضافياً أمام خريجي الثانوية، وهو ما ضاعف من أعداد المبتعثين ليصل عددهم إلى نحو 90 ألف مبتعث في تخصصات حيوية ومرتبطة بخطط التنمية في أكثر من 24 دولة حول العالم، بحسب تصريحات سابقة لمسؤولين في التعليم العالي تحدثوا إلى «الحياة». ولا يبدو أن العدد الكبير في مقاعد الابتعاث في مختلف مراحله هو الأمر اللافت الوحيد في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، إذ إن المزايا التي يحظى بها الدارسون على هذا البرنامج ظلت مثار إعجاب وحسد كل الجنسيات الغربية من دول أوروبا والأميركيتين، إضافة إلى دول الشرق الآسيوي. وعلى رغم أن المبتعثين من دول الخليج المجاورة مثل الإمارات وقطر والكويت يحصلون على مكافأة ومخصصات مالية أعلى من تلك التي يحصل عليها الطلاب السعوديون، إلا أن الامتيازات التي يحصل عليها المبتعثون السعوديون كثيرة ولا يجدها كثير من أبناء الدول المتقدمة حول العالم، لاسيما بعدما قرر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز زيادة مكافأة الابتعاث 50 في المئة قبل نحو سنتين تقديراً لموجة ارتفاع الأسعار العالمية التي صاحبت ارتفاع أسعار البترول في الثلاث السنوات الماضية، إضافة إلى قرار تثبيت سعر المكافأة في بلد مثل بريطانيا كي لا يؤثر تذبذب سعر صرف الدولار (العملة التي تصرف بها المكافأة قبل تحويلها إلى عملة البلد) أمام العملات الأوروبية. وباتت المكافأة الشهرية للمبتعث تقدر بنحو سبعة آلاف ريال (6929 ريالاً) ونحو 10595 للمبتعث وزوجته او للمبتعثة ومرافقها. ويروي مبتعثون في بريطانيا وأميركا تحدثت معهم «الحياة» كيف أن زملاءهم في الجامعات يبدون غبطتهم على فرص المميزات التي يحصل عليها الطالب السعودي، لاسيما وهي تغطي كل شؤون حاجيات الطالب في تجربة الابتعاث، ابتداء من منح تذكرة ذهاب وعودة سنوية للطالب وعائلته ودفع مصاريف إصدار التأشيرة من سفارة بلد الدراسة في السعودية، والتكفل أيضاً بدفع رسوم تمديد التأشيرة إذا انتهت. إضافة إلى تعويض الطالب عن أية رسوم يفرضها قانون بلد الدراسة مثل رسوم التسجيل في الشرطة. وفوق هذا وذاك تؤمن وزارة العليم العالي للطالب تأميناً طبياً شاملاً في بعض البلدان مثل الولاياتالمتحدة الأميركية. وعلى رغم أن العلاج في بلد مثل بريطانيا هو خدمة مجانية تكفله أنظمة المملكة المتحدة لكل من يدخل الدولة، سواء أكان زائراً أم مواطناً أم مقيماً، تمنح الملحقية الثقافية في بريطانيا الطالب وأفراد عائلته حرية العلاج في أية عيادة خاصة يختارها الطالب، وتتكفل هي بدفع التكاليف فور صدور التقرير الطبي بالحالة المرضية من المستشفى. أما بعد أن يبدأ المبتعث السعودي دراسته فإن الحكومة السعودية تمنحه فرصة حضور أي مؤتمر علمي مفيد لموضوع دراسته وتتكفل بتكاليف السفر والإقامة، إضافة إلى أنها تمنح الطالب حق الحصول على رحلة علمية إلى السعودية مدتها ثلاثة أشهر يصرف للطالب خلالها بدل مكافأة شهر إضافي عن كل شهر يمضيه في السعودية، إضافة إلى تكاليف التذاكر له ولأفراد عائلته. كما يصرف للمبتعث بدل التنقلات والأدوات والمراجع بنحو تسعة آلاف ريال لطالب الماجستير ونحو 15 ألف ريال لطالب الدكتوراه. ويصرف أيضاً بدل للمتفوقين بواقع: مخصص شهر للحاصلين على امتياز ونصف شهر للحاصلين على درجة جيد جداً في مرحلة البكالوريوس، أما لطلاب الدراسات العليا فيمنحون مكافأة شهر في حالة الحصول على تقدير ممتاز فقط. أما مستحقات التخرج فتعتبر من الميزات الكبيرة التي يحظى بها المبتعثون السعوديون، إذ يصرف نحو 11 ألف ريال للمبتعث الأعزب ونحو 17 ألف للمبتعث المتزوج كبدل لنقل العفش وطباعة رسالة بحث التخرج، إضافة إلى صرف راتب شهر للمبتعث غير الموظف لحظة تخرجه. والبارز في سياسة الحكومة السعودية لتشجيع برنامج الابتعاث أن كل هذه الحقوق والامتيازات يستطيع أن يستفيد منها أفراد عائلة المبتعث أو المبتعثة، وكذلك من يدرسون على حسابهم الخاص، إذ تتيح لهم الحكومة فرصة الإلحاق بالبعثة بشروط ميسرة لا تتعدى إحضار قبول من جامعة معترف فيها, إظهار جدية في دراسة اللغة الإنكليزية بالحصول على درجة متوسطة في اختبار الأيلتز أو التوفل. يذكر أن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي يقوم بابتعاث الطلاب والطالبات السعوديين إلى أفضل الجامعات العالمية في مختلف دول العالم لمواصلة دراساتهم في مراحل التعليم الآتية: 1- مرحلة البكالوريوس. 2- مرحلة الماجستير. 3- مرحلة الدكتوراه. 4- مرحلة الزمالة الطبية. وتم تحديد التخصصات المطلوبة وأعداد المبتعثين بناء على حاجة الوزارات والمؤسسات الوطنية والقطاع الخاص بما يتوافق مع سوق العمل وحاجات المناطق والمحافظات والجامعات والمدن الصناعية، إذ يهتم البرنامج بتأهيل الشباب السعودي للقيام بدوره في التنمية في مختلف المجالات في القطاعين العام والخاص. ويحمل البرنامج رسالة واضحة وهي تنمية وإعداد الموارد البشرية السعودية وتأهيلها بشكل فاعل لكي تصبح منافساً عالمياً في سوق العمل ومجالات البحث العلمي، ورافداً أساسياً في دعم الجامعات السعودية والقطاعين الحكومي والأهلي بالكفاءات المميزة.