اعتمدت السلطات العراقية أخيراً سياستين لمعالجة مشكلات مزمنة في صناعة النفط. لكن على رغم هذه المحاولات، ثمة شكوك عديدة حول إمكانية نجاح هذه المحاولات. تكمن المحاولة الأولى، في إنقاذ قانون النفط والغاز من الضياع والنسيان. فمجلس الوزراء حوّل المسودة الأولى من هذا القانون إلى مجلس النواب في شباط (فبراير) 2007، لكنها لم تناقَش منذئذ بسبب خلافات بين التحالف الكردستاني والمجموعات السياسية الأخرى. وفي اجتماع نهاية آب (أغسطس) الماضي بين نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني ورئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، اتفِق على تشكيل لجنة برلمانية من 12 شخصاً، برئاسة رئيس لجنة الطاقة عدنان الجنابي وعضوية أربعة أعضاء من «العراقية» وستة أعضاء من «التحالف الوطني» وعضوين من «التحالف الكردستاني». لكن بعد أسبوعين من الاتفاق، تشكلت لجنة أخرى، مكونة من ستة أعضاء، برئاسة نائب رئيس مجلس النواب قصي السهيل (التيار الصدري) وعضوية وزير النفط الفيديرالي ووزير الثروات الطبيعية لإقليم كردستان وثلاثة نواب من الكتل السياسية الرئيسة. وتكمن مهمة اللجنة السداسية في اختيار مسودة القانون التي يجب على البرلمان مناقشتها (من بين ثلاث مسودات مطروحة حالياً). ومباشرة بعد هذا الاتفاق بادرت الحكومة مع حكومة إقليم كردستان في 14 أيلول (سبتمبر) إلى توقيع اتفاق تتعهد من خلاله حكومة الإقليم تصدير 140 ألف برميل يومياً من النفط الخام خلال أيلول، و200 ألف برميل يومياً في الفترة المتبقية من العام، و250 ألف برميل يومياً خلال عام 2013، وذلك من خلال مؤسسات النفط العراقية (مؤسسة تسويق النفط - سومو). ويذكر أن مسودة موازنة الإقليم لعام 2013 تعتمد على تصدير 250 ألف برميل يومياً من النفط الخام. وتعهدت الحكومة العراقية دفع نفقات تكاليف الإنتاج والتصدير إلى الشركات النفطية العالمية العاملة في الإقليم (نحو 850 مليون دولار سنوياً)، بالإضافة إلى دفع 17 في المئة من مجمل الريع النفطي لصادرات النفط العراقية إلى حكومة الإقليم. من نافل القول إن هاتين الخطوتين تشكلان محاولة مهمة لمعالجة مشكلات مزمنة لصناعة النفط العراقية منذ 2003. لكن يبقى سؤال: هل يمكن للسياسيين المعنيين تجاوز الخلافات التي تراكمت خلال السنوات الماضية؟ وهل هناك إرادة سياسية كافية للوصول إلى تسويات توافقية تخدم مصالح الإطراف المعنيين في هذا الجو السياسي المتشنج؟ وفي ما يتعلق بقانون النفط، أي نسخة منه ستعتمَد؟ أتلك التي وافق عليها مجلس شورى الدولة، أو نسخة مجلس الوزراء؟ أي هل ستعتمَد النسخة التي تضم ملحقات أصلية للحقول وقطع الاستكشاف أم النسخة التي لا تحتويها؟ تكمن مشكلة قانون النفط العراقي في التعامل معه من قبل السياسيين كورقة للمساومة والضغوط، بدلاً من اعتباره تشريعاً أساسياً لأهم مورد اقتصادي للبلاد. فهذا الاستخفاف والتعطيل للقانون سيؤدي إلى تحمل العراق أضراراً كبيرة مستقبلاً. وهناك أيضاً صعوبة كبيرة ستواجه المشرعين، إذ مر زمن طويل (أكثر من خمس سنوات) على مسودة قانون 2007، وتغير واقع صناعة النفط العراقية في شكل جذري خلال هذه الفترة، فالحكومة الفيديرالية وقعت نحو 19 عقد خدمة، وحكومة الإقليم نحو 48 عقد مشاركة إنتاج مع شركات عالمية. وتشمل هذه العقود أهم الحقول وقطع الاستكشاف في العراق. ويناقض كثير من العقود مواد مسودة قانون 2007. فما الذي سيحصل الآن؟ هل ستُعاد صياغة هذه العقود لتتماشى مع القانون الجديد؟ أم هل ستعاد صياغة القانون الجديد كي يتماشى مع العقود الموقعة؟ ومع أي منها؟ عقود الحكومة الفيديرالية، أم عقود حكومة الإقليم؟ تطرح هذه التناقضات إشكاليات قانونية ودستورية وسياسية مهمة، كما أن مجرد طرحها سيعرقل النمو الطبيعي لصناعة النفط العراقية، نظراً إلى الإجراءات القانونية الواجب اتخاذها لتلافي هذه المشكلات. وشكل الاتفاق النفطي بين بغداد وإربيل مجموعة من الحلول الوسط والاتفاقات المرضية للطرفين. فالسلطات الكردية وافقت على تصدير النفط الخام من خلال المؤسسات العراقية، وفي المقابل وافقت بغداد على تعويض تكاليف الشركات النفطية في إقليم كردستان ودفع حصة الإقليم من مجمل الريع النفطي العراقي. لكن الخلافات بين إربيل وبغداد تتجاوز هذه الأمور، بعضها نفطي والآخر سياسي. فحكومة إقليم كردستان وقعت اتفاقات ثنائية مع تركيا لتصدير النفط الخام والغاز الطبيعي مباشرة عبر خطوط أنابيب تشاد من دون موافقة الحكومة العراقية. وهذا أمر مخالف للدستور الذي يحصر تصدير المواد الهيدروكربونية بالحكومة العراقية فقط. وهناك خلافات أخرى حول «المناطق المتنازع عليها»، وهي عديدة، وأهمها كركوك. فكيف ستحَل المشكلة، وإذا تفاقمت الأمور، ما هو تأثيرها في الاتفاق النفطي على المدى البعيد؟ وهناك خلافات حول تفسير بعض بنود الدستور، واتفاقات مشاركة الإنتاج التي وقعتها حكومة الإقليم مع شركات نفطية دولية. فبغداد تبنت سياسة متشددة، تمنع أي شركة نفطية تعمل في إقليم كردستان، من العمل في بقية الأراضي العراقية. وتحدت شركات عملاقة هذه السياسة. وتشير معلومات نشرة «ميس» إلى أن هناك نقاشاً حاداً يدور في الأوساط السياسية العراقية حول مستقبل كردستان، خصوصاً احتمالات الانفصال، ويحتل الجانب النفطي حيزاً مهماً من هذا النقاش. وهناك اعتراف من البعض بأن عقود كردستان مع الشركات النفطية حققت أرباحاً أعلى للشركات من عقود الخدمة مع بغداد، وهناك اعتراف بأن الاكتشافات النفطية والغازية في الإقليم أكبر بكثير مما كان متوقعاً، وأخيراً هناك استقرار وأمان أكثر في الإقليم مقارنة ببقية الأراضي العراقية. وعلى ضوء هذه المعطيات هناك دعوة من قبل هذه المجموعات إلى التوصل إلى حلول توافقية مع الإقليم، من اجل إقناع سكان الإقليم بتفادي الانفصال. وتؤكد مصادر لنشرة «ميس» أن هذه المجموعات تطالب ب «تسهيلات» في بقية أنحاء العراق للشركات النفطية العاملة في كردستان، بدلاً من مقاطعتها، وذلك للاستفادة من خبراتها في بقية أنحاء العراق أيضاً. لكن هناك من يطالب بسياسة نفطية متشددة مع إقليم كردستان، لاعتقاده بأن الإقليم حصل على كثير من المكاسب منذ 2003، ومن الأجدى عدم تقديم تنازلات إضافية تساعده مادياً على الاستقلال. ويتضح أن الولاياتالمتحدة الأميركية استعملت نفوذها خلال الأسابيع الماضية دعماً لهذه المحاولات النفطية التوفيقية، وفق مصادر نشرة «ميس»، بالإضافة إلى الحوار الجاري بين «التحالف الوطني» و»التحالف الكردستاني» لترطيب الأجواء بينهما. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية