شهدت العلاقات الأميركية – الإسرائيلية أخيراً نوعاً من التوتر، وذلك على خلفية التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية، حيث ذكر أن سجالاً صاخباً اندلع بين السفير الأميركي في تل أبيب دانيال شابيرو ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، بعد أن انتقد الأخير الرئيس باراك أوباما. وقد ذهب نتانياهو إلى حد اعتبار أن «الوقت انتهى» في ما يتعلق باحتمالات مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، والتمكن من عرقلة البرنامج النووي الإيراني. وكان التوتر قد بدأ على خلفية تنديد نتانياهو بعدم وجود «خط احمر واضح» من جانب المجموعة الدولية في مواجهة البرنامج النووي الايراني، حين قال: «اعتقد ان علينا قول الحقيقة: المجموعة الدولية لا تضع خطاً احمر واضحاً لإيران، وايران لا ترى تصميماً من جانب المجموعة الدولية لوقف برنامجها النووي». مضمون الرسالة السرية على الخلفية ذاتها، كانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في بداية الشهر الجاري، قد ذكرت أن الإدارة الأميركية بعثت برسالة سرية لإيران، أكدت فيها أنها لن تشارك في هجوم عسكري إسرائيلي محتمل. وطالبت الأخيرة بعدم مهاجمة قواعدها في الخليج. ووفقاً للمحلل السياسي في الصحيفة (شمعون شيفر)، فإن مسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة الأميركية توجهوا إلى نظرائهم في إيران بواسطة دولتين أوروبيتين يتم استخدامهما كقناة اتصال في حالات الأزمات، حيث أوضح الأميركيون للجانب الإيراني أن الولاياتالمتحدة لا تنوي الدخول في حرب، إذا قررت إسرائيل شن هجوم أحادي الجانب، ومن دون تنسيق معها. وفي هذه الحالة؛ فإن الولاياتالمتحدة لا تتوقع أن تهاجم إيران أهدافاً إستراتيجية أميركية في الخليج، وبينها قواعد عسكرية وحاملات طائرات. وفي صدد التوقعات والاحتمالات المقبلة، لتفادي انزلاق إسرائيلي أحادي لشن ضربة عسكرية ضد إيران، ذكرت القناة العاشرة في التلفزيون الاسرائيلي في نهاية الأسبوع الأول من الجاري، أن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو سيلتقي بالرئيس أوباما في مستهل زيارته المرتقبة للولايات المتحدة عقب انتهاء عيد «الغفران» الذي يصادف يوم الخامس والعشرين من الشهر الجاري، بهدف إلقاء خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأشارت القناة إلى أن من المتوقع أن يمنع اللقاء المرتقب بين الجانبين أي ضربة أحادية إسرائيلية للمواقع النووية الإيرانية لأشهر عدة، أو لمدة قد تصل إلى أكثر من نصف عام، بينما سيطرح الرئيس الأميركي الخطوط الحمر لإدارته في الشأن النووي الإيراني، وكذلك في خصوص الهجوم الإسرائيلي على إيران. ووفقاً لما نقلته القناة، فإن اوباما سيوضح لنتانياهو أنه في حال وافقت الولاياتالمتحدة على ضرب إيران، فإنها لن توافق على ذلك في الوقت الراهن، ولكن ما بعد صيف 2013، كما أنه سيشير إلى نتانياهو بأن أميركا لن تشارك في ضرب إيران في كل الحالات. وفي ظل سيادة أجواء من التفاؤل والتفاهم، وبالعودة إلى سياسة اللين بين الحلفاء، واستجابة واشنطن لوضع «خط أحمر واضح» على ما أراد نتانياهو، غيّر هذا الأخير لهجته، حيث ذكرت «يديعوت أحرونوت» (4/9) أن سبب ذلك اللين في موقفه، وعودته للحديث مرة جديدة وللمرة الاولى، عن امكانية اعطاء فرصة للديبلوماسية؛ جاء نتيجة حصوله على ثمن سياسي وعسكري قبل الانتخابات الاميركية. وأبرز أشكال هذا الثمن هو حصول اسرائيل على امرين، الاول: اعلان اوباما عن خطوط حمر لن يسمح لإيران بتجاوزها في الملف النووي الايراني. ومن المتوقع ان يعلن اوباما عن هذه الخطوط خلال جلسات الجمعية العامة للامم المتحدة. حزمة أثمان مرتفعة أما الثمن الآخر الذي ستدفعه الولاياتالمتحدة لاسرائيل، فيتمثل بصفقة اسلحة متطورة كانت الولاياتالمتحدة ترفض منحها لاسرائيل في السابق؛ وعلى رأسها قنابل ضخمة مخترقة للمخابئ حتى 60 قدماً تحت الارض، وطائرات تزويد بالوقود في الجو للطائرات الحربية الاسرائيلية. كما تشمل الحزمة موافقة الولاياتالمتحدة على اكبر مناورة عسكرية في الخليج العربي بمشاركة 25 بلداً والتي تتناول آليات منع ايران من السيطرة على الخليج والتحكم بدخول وخروج النفط من هناك الى العالم، حيث تسعى ايران لمنع تجارة النفط في حال حدوث حرب. كما تشمل الصفقة عمليات سرية للاستخبارات الاميركية ضد برنامج ايران النووي بكل الأشكال؛ بما فيها زرع فيروسات قاتلة لهذا البرنامج، حيث ادت هذه العمليات الى تعطيل برامج الطرد المركزي الايرانية. كما لم تخف الصحيفة أن اعتدال نتانياهو في شأن ايران، جاء ايضاً نتيجة مخاوف من ترك الولاياتالمتحدة إسرائيل بمجابهة ايران وحلفائها في شكل وحيد بعد رسالة اوباما لإيران وتصريحات رئيس هيئة الاركان الاميركية بعدم تدخل الولاياتالمتحدة في حال شنّت اسرائيل حرباً أحادية الجانب. هذا في وقت رأت وسائل إعلام إسرائيلية، أن تغيير لهجة نتانياهو جاء في أعقاب تقديرات بإلحاقه أضراراً إستراتيجية جسيمة بالعلاقات مع واشنطن، الأمر الذي أدى إلى توجيه تهديدات مبطنة مفادها أنه في حال فوز أوباما في ولاية ثانية، فإن الولاياتالمتحدة ستمتنع عن استخدام الفيتو في مجلس الأمن الدولي لإسقاط قرارات ضد إسرائيل. ونقل على لسان مسؤول إسرائيلي قوله إنه «ينبغي توقع أن تتوقف الولاياتالمتحدة عن سياسة استخدام الفيتو في شكل أوتوماتيكي على قرارات تنديد ضد إسرائيل في الهيئات الدولية، وبخاصة في الأممالمتحدة ومجلس الأمن». وكذلك في ما يتعلق بالاستيطان، فإن «بإمكان إسرائيل أن تنسى الفيتو الأميركي». روسيا ووفق وكالة «انترفاكس» للأنباء، حذرت اسرائيل ودولاً اخرى من مهاجمة ايران بسبب برنامجها النووي، قائلة ان اللجوء الى القوة سيكون كارثياً على منطقة الشرق الاوسط وستتعدى عواقبه المنطقة. ونقلت «انترفاكس» عن سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي قوله: «نحذّر من اعتادوا على الحلول العسكرية... من ان هذا سيكون ضاراً، بل كارثياً لاستقرار المنطقة، وسيحدث صدمات عميقة في مجالي الامن والاقتصاد؛ سيكون لها أثر خارج حدود منطقة الشرق الاوسط». أخيراً وفي سياق محاولات شن ضربات إلكترونية أو كهرومغناطيسية، لتفادي توجيه ضربات عسكرية تقليدية، يمكن إيراد ما ذكرته صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية، يوم الأحد التاسع من الجاري، من ان إسرائيل فكرت (أو ربما تفكر) في توجيه اندفاعة كهرومغناطيسية الى ايران لشل كامل شبكات النقل والاتصال لديها، ومنعها بالتالي من تطوير برنامجها النووي. وأوضحت الصحيفة ان الخبير الاميركي في قضايا الدفاع بيل غيرتز تحدث، في 29 آب (أغسطس) الماضي على موقع «ذي واشنطن فري بايكن»، عن «قلق متصاعد» لدى اجهزة الاستخبارات الاميركية حيال «قيام اسرائيل بتوجيه ضربة لإيران، باللجوء الى انفجار نووي على ارتفاع شاهق، بهدف تعطيل كل الاجهزة الالكترونية في هذا البلد». بدوره، كتب الاميركي جو توزارا، في صحيفة «اسرائيل ناشونال نيوز» اليمينية، ان «تسريع ايران لوتيرة تطوير الاسلحة النووية يمكن ان يؤدي الى هجوم وقائي تشنّه اسرائيل عبر اندفاعة كهرومغناطيسية». وأضاف ان «الانفجار لن ينتج اي عصف او اشعاعات على الارض، لكن آلية التزود بالمواد الغذائية ستتوقف، والاتصالات ستصبح عملياً مستحيلة، ما سيؤدي الى انهيار اقتصادي». ولاحظ عوزي روبين، الذي شارك في تطوير الدرع الاسرائيلية المضادة للصواريخ، ان «استخدام سلاح نووي غير وارد على الاطلاق»، لكنه تحدث عن «وسائل لخلق اندفاعة كهرومغناطيسية انطلاقاً من الارض ايضاً». وتم رصد القوة التدميرية للاندفاعة الكهرومغناطيسية، وهي موجة صادمة قوية تنتج من التفاعل بين الانفجار النووي والحقل المغناطيسي الأرضي، في الخمسينات والستينات كأثر جانبي لانفجارات نووية على ارتفاع شاهق. * كاتب فلسطيني