تابعت باهتمام ما نُشر في «الحياة»، بتاريخ 13-7-1430ه، بعنوان «قطارنا... رايح جاي من دون فلوس»، بقلم جمال بنون الذي انتقد فيه الصرف العالي والمستمر على مشاريع السكك الحديد من دون أن يؤثر ذلك في تحويل قطار الرياضالدمام إلى قطار سريع أو مترو، معقباً على الحوار الذي أجرته الصحيفة مع الرئيس العام بأن خطوات التطوير في المؤسسة بطيئة وتدعو للتساؤل، متمنياً لو أن المؤسسة نجحت في تقديم نشاط النقل بالقطار بشكل استثماري ناجح تمهيداً لتحويله إلى القطاع الخاص، ومع تقديرنا الكبير لوجهة النظر والآراء التي قدمها الكاتب الكريم، أرغب في توضيح ما يأتي: 1- شهدت حركة نقل الركاب وشحن البضائع في السنوات الأخيرة نمواً مضطرداً، إذ تجاوزت نسبة النمو في نشاط نقل الركاب خلال السنوات الثماني الأخيرة أكثر من 36 في المئة، ويعود ذلك إلى أسباب عدة من بينها عمليات التطوير والإصلاحات الكبيرة التي أدخلت على البنية التحتية والأسطول (القاطرات والعربات)، إضافة إلى وجود خيارات زمنية كافية أمام المسافرين (السفر في أوقات مختلفة خلال اليوم)، كذلك الاهتمام الكبير بنوعية الخدمة التي تُقدم للمسافرين في عالم أصبحت فيه الخدمة محوراً أساسياً في نجاح وتطور أي نشاط، وكدليل على فاعلية القطار في هذا المجال، فإن القطار يستحوذ على ما نسبته 51 في المئة من إجمالي أعداد المسافرين براً بين المنطقتين الشرقية والوسطى خلال العام 2007 وفقاً لدراسة أعدتها الغرفة التجارية الصناعية بالرياض. 2- الإنفاق الذي أشار إليه الكاتب ليس موجهاً إلى خدمات نقل الركاب فقط وإنما يشمل إضافة إلى ذلك شحن البضائع الذي يمثل نشاطاً مهماً للمؤسسة، إذ إن فكرة إنشاء السكك الحديد في المملكة استهدفت في الأساس وتوفير وسيلة نقل آمنة وسريعة واقتصادية لنقل البضائع والمواد الإنشائية من ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام إلى منطقة الرياض، وليس من المنطقي التهويل من شأن الإنفاق على مشاريع تطوير خدمات النقل بالسكك الحديد ومقارنتها بالعائد المتحقق من النشاط الأقل إيراداً في الوقت الذي تحقق المؤسسة عوائد مجزية من نشاط شحن البضائع، ووفقاً لمؤشرات الأداء المالي فإن تطور نمو إيرادات الأنشطة الرئيسة «الشحن والركاب» تجاوزت نسبتها ال 60 في المئة من إجمالي إيرادات المؤسسة خلال السنوات الثماني الأخيرة. 3- من المعروف دولياً أن السكك الحديد في جميع أنحاء العالم تعتمد على الدعم الحكومي في بقائها واستمرار خدماتها، وفي دولة مثل بريطانيا فإن مخصصات السكك الحديد تعتبر من الأبواب الثابتة في موازنة الدولة، كما هو التعليم والصحة والجيش وغيرها من الخدمات التي تدعمها الدولة، وكذلك في كثير من دول العالم، لذلك فإن العائد الاقتصادي للاعتماد على القطار لا يقاس بحجم الإيراد المباشر فقط، بل بمدى إسهامه في توفير وسيلة نقل اقتصادية منافسة ذات تأثير إيجابي غير مباشر في خفض كلفة صيانة الطرق، وخدمة المنتج المحلي وزيادة الفرص التنافسية له أمام المنتجات الأخرى، وهو ما يعني مزيداً من النمو الاقتصادي والصناعي، كما يبرز دوره في الجانب الاجتماعي من خلال إسهامه الفعال في التنمية الاجتماعية، إذ يتيح القطار فرصة واسعة لربط المواطنين بذويهم وأصدقائهم ضمن ظروف آمنة وسريعة، بما يسهم إيجابياً في خفض معدلات حوادث الطرق وما تخلفه من ويلات ومآسٍ وخسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، ناهيك عن التأثيرات الأخرى في المجالات الثقافية، ودعم خطط التعليم من خلال تسهيل تنقل منتسبي الجامعات والمعاهد والكليات. 4- إن عدم وجود كثافة سكانية كبيرة في الوقت الحاضر لا يبرر اللجوء إلى إلغاء السكك الحديد، وإنما يدعو إلى تبني خطط ومشاريع تفيد من مزايا القطارات وتلبي الحاجات الفعلية، وتأخذ في الاعتبار متطلبات النمو السكاني والصناعي المستقبلي، وهو ما حرصت عليه المؤسسة أثناء التخطيط لتنفيذ مشاريع التطوير التي تسير بخطى حثيثة ومتوازنة، وتهدف إلى تعزيز كفاءة الشبكة ورفع مستوى جاهزية الأسطول وسلامته وتحديثه بالقدر الذي يسهم في تقليل زمن الرحلة ورفع معدلات السرعة إلى أكثر من 140 كلم/ساعة ليتحول إلى وسيلة نقل حديثة يمكنها أن تستقطب شرائح جديدة من المجتمع، وسيتحقق هذا التطلع بمشيئة الله بعد وصول القطارات الجديدة التي يتم العمل على تأمينها حالياً وتعمل بتقنية ديزل إليكتريك بمواصفات ملائمة لبيئة المملكة ومتوافقة مع الشبكة القائمة بما يتناسب مع الواقع القائم والحاجات الحقيقية وتكون ذات جدوى في البعدين الاقتصادي والتجاري، ومن هذا المنطلق فإن تشغيل قطارات كهربائية سريعة، أو بناء شبكة مترو، كما أشار الكاتب، على رغم كونه حلماً جميلاً، إلا أن الواقع على الأرض لا يستوعبه، وكما يعلم الجميع فإن خطط التنمية والتطوير تبنى على أساس الحاجة الفعلية وليس للتباهي والمفاخرة. 5- إن مشاريع توسعة شبكة الخطوط الحديدية التي ستربط شمال المملكة بجنوبها وشرقها بغربها ستؤدي إلى زيادة حركة النشاط الاقتصادي وخلق الكثير من الفرص الاستثمارية التي ستعمل بدورها على ازدياد حجم وحركة الاستثمار وإيجاد العديد من الفرص الوظيفية، فالخطوط الحديدية شأنها شأن المطارات والموانئ وشبكات الاتصالات الحديثة، تعتبر عاملاً مهماً لجذب وتشجيع الاستثمار، وواضح حجم القيمة الاقتصادية التي ستضيفها هذه المشاريع الضخمة للاقتصاد السعودي، فهي كبيرة بكل المقاييس، وهي مشاريع تطرح للمرة الأولى في المملكة، وحظيت بإقبال كبير من المستثمرين على مستوى الدول والتحالفات والشركات الصناعية الكبيرة في هذا المجال. مدير إدارة العلاقات العامة والإعلام