أثار تزايد أعداد المتوفين من مرضى أمراض الدم في الآونة الأخيرة والذي بلغ 470 حالة وفاة في مستشفى القطيف المركزي خلال عام، «موجة غضب وتحركاً من المرضى وذويهم للحد من انتشار المرض»، كما تعالت الأصوات « الساخطة على نظام العلاج وآليته» الأمر الذي دفع بالعديد من المرضى والأطباء وذوي المرضى في البدء بإطلاق حملات إلكترونية، وتأسيس قروبات على برامج التواصل الاجتماعي، تتناول طرق العلاج والجرعات وطرق الحد من تكرار النوبات، إضافة إلى المحاضرات التوعوية، وأقيمت أخيراً محاضرة توعوية حول مرض فقر الدم المنجلي ورصدت حاجات وشكاوى المرضى بالتعاون مع مجموعة فقر الدم المنجلي». ومرضى «فقر الدم المنجلي» على حد تعبير أطباء «آلامهم تفوق ألم الولادة، ويستشعرون الموت في كل نوبة تحاصرهم»، في حين سجل مستشفى القطيف المركزي « 443 حالة وفاة بسبب نوبة الأنيميا المنجلية، في يوليو 2013 وحتى يوليو 2014، وبلغ عدد المتوفين من دون نوبة 27 حالة، في حين قدر عدد المسجلين من المصابين 8833 حالة»، وأكد ذوو متوفين «أولادنا يموتون على أسرّة الطوارئ لعدم وجود سرير شاغر في أقسام التنويم، ونطالب بتوفير مستشفى خاص أو أقسام خاصة لمرضى الدم»، ولا يمر يوم من دون أن يتعالى صوت فقدان شخص وصراخ الألم في أروقة الطوارئ لمستشفى القطيف المركزي أو المركز التابع له لاستقبال مرضى فقر الدم المنجلي، والتي تحضر إلى المستشفى ليس طلباً للعلاج، فلا علاج تنتظره يحد من معاناتها، ولكنها تطلب إيقاف الألم موقتاً ولا تعلم كم سيستمر ذلك التوقف ومتى ستكون النوبة المقبلة، يتوجهون طلباً لإيقاف الألم على خجل، والبعض يخجل من مرضه لأنه سيصنف تحت «الإدمان» هذا لأن العلاج المقدم لهم عبارة عن حقن «البيثيدين» والذي تقلص استخدامه، أيضاً استخدام «المورفين» وهو الدارج. وأكد عبدالهادي الحبيب أحد مؤسسي مجموعة مرضى «فقر الدم المنجلي» «أن المجموعة تحت التأسيس ولازلنا في خطواتنا الأولى لاستخراج تصاريح العمل تحت مظلة رسمية «. وحول أهداف المجموعة قال «تثقيف مرضى فقر الدم المنجلي وذويهم حول المرض، والبحث في مطالب المرضى على مستوى العمل والدرس، إضافة إلى المستوى الاجتماعي والاقتصادي، أيضاً مخاطبة الجهات الرسمية لوضع حلول لتحسين وضع مرضى فقر الدم والارتقاء بالمستوى الإنساني، وتفعيل التأمين الطبي داخل وخارج المملكة للمصابين، إدراج مرضى فقر الدم المنجلي ضمن فئة ذوي الاحتياجات الخاصة ومنحهم ذات الحقوق، وعدم الإساءة لهم في المرافق الصحية وفي المجتمع ودعمهم نفسياً وأسرياً وكل تلك الأهداف هي مطالب المصابين». وأشار إلى أن «المجموعة تضم عدداً من الأطباء، والمصابين، والأصحاء أيضاً». وحول معاناة المصابين قال: «غالباً لا يوجد أخصائيون على مدار 24 ساعة، مما يؤدي إلى تدهور حالة المريض، وذلك أيضاً في قسم التنويم ضمن المستشفى». وحول إدراجهم تحت مسمى مدمنين أشار إلى «الطريقة العقلانية عند اكتشاف مدمن تحويله للطب النفسي وتقويمه مع توفير إحصاء حول المدمنين، إضافة إلى دعمه وتأهيله وهذا لا يتم تطبيقه، كما يضطر بعض المرضى بسبب تجاهلهم من بعض الكوادر الطبية إلى أحد أمرين: إما الصبر على عذابه، أو الخروج على مسؤوليته، في حين يلجأ البعض لاستنزاف نفسه مادياً بالعلاج في مستشفى خاص». ومن ضمن الشكاوى التي رصدت «عدم تقويم الألم من الطبيب ولا يتم تسكين الألم الذي يشتكي منه المريض بالشكل السريع، ولا يقوم مدى استجابته للأدوية، كما لا يوعي المريض بخصوص مرضه وعلاجه وهو ما ذكر في كتيب صادر عن وزارة الصحة، كما ويعاني المرضى من عدم الاستجابة لنداء المريض في قسم التنويم بحجة عدد كادر التمريض غير كاف، ونرفض وصفنا بالمدمنين، علماً بأن كل المطالب تدعمها وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية، ولكن نطلب تفعيلها بالشكل الصحيح من بعض الكوادر الطبية، مع العلم بأن الوزارة لم تتوان في رصد الموازنة». من جانبه، أوضح استشاري أمراض تخثر الدم محمد آل شيف «أن فقر الدم المنجلي، من أمراض الدم الوراثية التي تتصف بفقر الدم المزمن والحوادث الدورية من الألم، والمشكلة تكمن في تركيبة الخضاب (الهيموجلوبين) الذي هو جزء من خلايا الدم الحمراء مما يتسبب في فقدان الشكل الطبيعي لكريات الدم الحمراء (المتكور الجوانب) لتأخذ شكل المنجل (المحّش)، وهذا التغير في الشكل يعوق حركتها في الأوعية الدموية الصغيرة مما يؤدي إلي انسدادها، وأيضاً تكسّرها أثناء مرورها في الطحال». وحول أسباب الوفاة الطبية قال: «العدوى البكتيرية (الجرثومية)، إذ إن المرضى المصابين بالأنيميا المنجلية أكثر عرضة للإصابة بالعدوى بأنواع معينة من البكتيريا الشرسة مثل البكتيريا المسببة لمرض التهاب السحايا، والبكتيريا العنقودية المسببة للالتهاب الرئوي الحاد، بسبب ضرر الطحال من خلايا الدم المنجلية مما يؤدي إلى قصور وظيفته في محاربة البكتيريا في الدم»، مضيفاً «الأطفال الرضع على وجه الخصوص معرضون للإصابات الجرثومية التي يمكن أن تودي بحياتهم في غضون ساعات من بداية الحمى، لذلك بدأ الأطباء بإعطاء المضاد الحيوي البنسلين بشكل وقائي لأولئك المشخصين بالمرض عند الولادة وفي الطفولة المبكرة». وأضاف «يتعرض المصابون إلى جلطات بسبب التغير في شكل كريات الدم الحمراء من متكور الجوانب إلى الشكل المنجلي، مما يؤدي إلى إعاقة حركتها في الأوعية الدموية الصغيرة (الشرايين والأوردة) في الدماغ والقلب، إذ يتسبب في انسدادها وذلك يؤدي إلى جلطات خطرة لدى الأطفال، قد تتسبب في الإعاقة الدائمة أو تودي بحياتهم. إذ يحتاج المريض المعالجة بالنقل المنتظم للدم، الذي يساعد في منع انتكاسة الجلطات المتكررة لدى الأطفال المصابين بجلطة دماغية، كما يتعرض المصاب بفقر الدم المنجلي إلى أزمة الصدر الحادةِ المشابهة لالتهاب الرئة، وهي من المضاعفات الخطرة التي تحدث بسبب العدوى والخلايا المنجلية المتكتلة في الرئة وتتميز بألم الصدر الحاد والحمى ونقص الأوكسجين في الدم، والتغيرات غير الطبيعية في الأشعة السينية للصدر، وتعتبر المسبب الأول للوفيات لدى مرض الأنيميا المنجلية خاصة عند الأطفال ونسبة الوفاة تصل إلى 25 في المئة وتستلزم التنويم، إضافة إلى نوبة تضخم الطحال الحادة وتسبب الوفاة بنسبة 12 في المئة خاصة لدى الأطفال». وشدد على أن «فقر الدم المنجلي شأنه شأن الأمراض المزمنة مثل داء السكري، التي لا يمكن العلاج منها نهائياً، ولكن يمكن التعامل معها والسيطرة عليها ومنع مضاعفاتها، وعلاج الأنيميا المنجلية يكون مصمماً بحسب حال المريض الحالية والمستقبلية، وتعتمد المعالجة الأساسية للأزمات المؤلمة على الأدوية المسكنة والسوائل سواء عن طريق الفم أم الوريد لتخفيف الألم ومنع المضاعفات، ومن العلاجات المتاحة نقل أو استبدال الدم، إذ يعالج في حالات معينة فقط بزيادة كريات الدم الحمراء السليمة والتخلص من الخلايا المنجلية في الدورة الدموية، ويستخدم في معالجة نوبة تضخم الطحال الحادة أو نقل الدم المنتظم لمنع انتكاسة الجلطة الدماغية عند الإصابة بها، مبيناً « أن فحص ما قبل الزواج أسهم في تقليص عدد المصابين بالأنيميا المنجلية ولكن لا يوجد إحصاء موثق صادر عن وزارة الصحة، ولا تكاد تخلو أسرة في المحافظة من مرض الدم الوراثي الأنيميا المنجلية، فإن لم يكن مصاباً فيكون حاملاً للمرض، وتعتبر القطيف من أكثر المحافظات في المملكة تعرضاً للإصابة به، إذ يبلغ معدل انتشار المرض 30 في المئة». مستشهداً بطرح الدكتور محسن الحازمي، أستاذ الكيمياء الحيوية الطبية في جامعة الملك سعود في الرياض والذي قال فيه:» إن المسح الطبي أظهر أن مدن القطيفوالهفوف، حققت أعلى معدل إصابة بأمراض الدم المنجلية بنسبة 170 و154 و103 في الألف على التوالي، في حين تتصدر نجران المدن الأعلى إصابة بأمراض الثلاسيميا بنسبة 153 في الألف، تليها الهفوف بنحو 130 في الألف بحسب مسح طبي عام 2003» وأضاف آل شيف أن «الأعباء الاقتصادية التقديرية لمتطلبات الرعاية الصحية لأمراض الدم الوراثية في المملكة لرعاية مصاب بصبغة الدم المنجلية (التحصين باللقاحات والبنسلين والمسكنات والفحص المخبري والإكلينيكي ونقل الدم والجراحة) تراوح بين 17 ألف و 35 ألف ريال سنوياً».