يتدافع لاجئون سوريون صوب بوابة مغلقة عند موقع حدودي عراقي ويمدون أياديهم عبر قضبانه الحديد طلباً للماء وينادون بصوت عال على أشقائهم وأقاربهم على الجانب الآخر. ويجلس أعداد أكبر من السوريين وهم يصرخون في هواتفهم المحمولة فوق جدران خرسانية تفصل بين العراق وسورية ينتظرون حتى يفرغ العراقيون شاحنات مليئة بصناديق تحوي زجاجات المياه وزيت الطعام ويدخلونهم الى نقطة تفتيش القائم. على مقربة يحارب مقاتلون سوريون سنة قوات الرئيس السوري بشار الاسد للسيطرة على بلدة البوكمال مقربين الحرب من القائم بكل أبعادها من لاجئين وطائرات سورية نفاثة وأحياناً هجمات صاروخية. تعكس القائم - وهي في قلب محافظة الانبار العراقية التي تعيش فيها اغلبية سنية - مهمة التوازن الصعبة التي يواجهها الزعماء العراقيون الشيعة في الازمة السورية التي تختبر الانقسام الطائفي في منطقة الشرق الاوسط. وكان عدد كبير من السياسيين الشيعة العراقيين قد لجأوا الى سورية خلال حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وينفي زعماء العراق ما يردده البعض عن تأييدهم للنظام السوري لكنهم يخشون ان يؤدي سقوطه الى مجيء نظام سني مناوئ الى الحكم في العراق مما يجرئ عراقيين سنة غير راضين عن اوضاعهم في العراق الذي يعيش فيه مزيج طائفي هش. وفي محافظة الانبار العراقية حيث تقوى الروابط العشائرية يتصاعد عدم رضا السكان من موقف بغداد من الازمة السورية. واختار كثيرون بالفعل الجانب الذي يقفون الى جواره. وقال عماد حمود وهو عامل حكومي في القائم «حين يكون عندك أبناء عمومة هنا فإن الحظ وحده هو الذي يحدد ما اذا كانوا عراقيين او سوريين. الحرب في سورية حرب حكومة ضد الشعب ونحن مع الشعب». وتقع بلدة القائم العراقية وجارتها السورية البوكمال على طريق امداد استراتيجي يستخدمه مهربو السلع والسلاح والآن يسلكه مقاتلون يريدون الانضمام الى الحرب في سورية. ومنذ سنوات معدودة كانت الحركة تمضي في الاتجاه المعاكس.. مفجرون اسلاميون سنة يعبرون الى داخل العراق ليحاربوا الاحتلال الاميركي وكان اللاجئون يفرون الى سورية هرباً من المذابح الطائفية. ورغم قلق حكومة بغداد الا انها فتحت في بداية الامر حدودها أمام اللاجئين السوريين لدى بدء الصراع قبل 18 شهراً. لكن هيمن منذ ذلك الحين على بلدة البوكمال السورية مقاتلو الجيش السوري الحر المعارض وتنامى عدد اللاجئين مما دفع السلطات العراقية الى اغلاق معبر القائم. وتعزز الآن وحدات من الجيش العراقي الحدود وأقيم سياج معدني ارتفاعه متران. ويرسل مواطنون عراقيون المؤن الغذائية والمياه والامدادات الطبية عبر بوابة القائم التي يصل اليها يومياً ما يتراوح بين 200 و300 لاجئ سوري طالبين المأوى او المؤن من ذويهم قبل العودة الى ديارهم. وقال مسؤول محلي من الحكومة العراقية عند المعبر طلب عدم نشر اسمه لانه ليس مفوضاً بالحديث علناً عن اللاجئين «هذه المساعدات ليست مقدمة من الدولة انها من رجال دين ومواطنين». وبعد سقوط صدام عام 2003 فر كثيرون من أعضاء حزبه البعث المحظور الى سورية. وانتقدت بغداد دمشق مراراً لإيوائها عناصر من «القاعدة» ومتمردين سنة وبعثيين سابقين استخدموا سورية كملاذ لمهاجمة القوات الاميركية في العراق. لكن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي -وهو شيعي لجأ الى ايران وسورية خلال حكم صدام- طور علاقة عملية مع النظام السوري وامتنعت بغداد عن التصويت في جامعة الدول العربية على قرار بتعليق عضوية سورية ورفضت الدعوة الى فرض عقوبات عربية على دمشق ودعت بدلاً من ذلك الى الاصلاح. وفي آب (اغسطس) من العام الماضي استقبل المالكي وزراء سوريين ووصف العراق وسورية بأنهما دولتان شقيقتان. ولمح وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الى مخاوف مما سيحدث اذا ما سقط نظام بشار الاسد. وقال زيباري ل «رويترز» ان تدفق اللاجئين وتحصن منظمات ارهابية وامكانية مجيء نظام أصولي كلها عوامل تؤثر على العراق وصرح بأن بغداد تحاول اتخاذ موقف مستقل يقوم على مصالحها القومية وان الاختيارات ليست بالضرورة إما أبيض أو أسود. وخلال الاجتماعات العشائرية في محافظة الانبار يدور الحديث الآن حول الازمة السورية وكيف يمكن مساعدة الأشقاء السوريين السنة. وكانت قبائل الانبار قد انقلبت على القاعدة لتساعد القوات الاميركية عام 2006 . لكن منذ صعود الاغلبية الشيعية في العراق يرى كثير من السنة انهم همشوا. ويشعر شيوخ قبائل في الانبار ان رئيس وزراء العراق يريد ان يعزز سلطة الشيعة. وتعيش حكومة ائتلافية هشة بالعراق تضم الشيعة والسنة والاكراد أزمة سياسية بعد ان اتهم السنة المالكي بعدم تنفيذ اتفاقات لاقتسام السلطة. وقال الشيخ حاتم سليمان وهو شيخ قبيلة من أكبر قبائل الانبار ل «رويترز»: «العراق سيواجه عاصفة... خلال بضعة اشهر ستنتهي الازمة السورية على الارجح لكن ما سيحدث بعد ذلك سيكون صعباً على العراق». وبدأت بلدة القائم بالفعل تكابد آثار المعارك الجارية في سورية. ويقول فرحان فتيحان رئيس بلدية القائم ان الطائرات الحربية السورية تحلق في المجال الجوي العراقي كل يوم تقريباً لقصف مواقع مقاتلي المعارضة على الحدود وان القوات السورية تخلت عن معظم المواقع الحدودية السورية. عبر الحدود كانت نقطة التفتيش الحدودية الرئيسية على الجانب السوري من الحدود خالية. وعلى أحد الحوائط رسم علم «الجيش السوري الحر» بنجومه الثلاثة الحمراء على صورة للرئيس الراحل حافظ الاسد والد بشار. واخترقت طلقات الرصاص الحائط وطمست جزءاً من وجهه. كانت الطلقات التي اخترقت الحوائط الخرسانية لمواقع حدودية اخرى دليلاً على وقوع اشتباكات متكررة بين قوات حرس الحدود العراقي ومسلحين على الجانب السوري من الحدود. وفي وقت سابق من الشهر فتح «الجيش السوري الحر» المعارض النار على قوات عراقية حاولت ايقاف أربع عربات تحمل أسلحة لسورية. وقال مسؤول عسكري عراقي ان القوات العراقية ردت بقذائف المورتر ونيران المدفعية. وفي الوقت الراهن يقول رئيس بلدية القائم ان الحدود مغلقة لاسباب فنية بينما تنتظر السلطات المحلية الى حين الانتهاء من اقامة مزيد من المخيمات لاستيعاب نحو عشرة الاف لاجئ. وخارج البلدة يعيش نحو 2000 لاجئ تمكنوا من العبور قبل اغلاق الحدود في خيام بيضاء. ويعيش عدد مماثل مع اقارب او سكان محليين. وتتصاعد أجواء العنف. فقد سقطت صواريخ سورية على القائم لثلاث مرات حتى الآن كان أحدثها منذ نحو اسبوعين حين سقطت ثلاث قذائف كاتيوشا على منطقة سكنية فقتلت فتاة عراقية صغيرة وأصابت بعض اقاربها. ولم يتضح من أطلق القذائف هل كان الجيش السوري ام مقاتلي المعارضة. ويعرف سكان القائم انها لن تكون المرة الاخيرة. وقال فراس عطا الله والد الفتاة «اعتقدت انها احدى الطائرات السورية التي نسمعها تحلق فوق رؤوسنا. ثم سمعنا الصاروخ يتجه نحونا. هذا هو الثمن الذي ندفعه... ثمن المساعدات التي نرسلها الطعام والدواء الذي نرسله».