بدءاً من الصور اليومية التي تأتي من المجزرة السورية الكبيرة... وصولاً الى الخطاب السياسي العربي العام الذي لا يفتأ «يزيّن» الشاشات الصغيرة منطوقاً بألسنة انواع من السياسيين العرب الجدد الذين لا يعرف احد من اين اتوا والى اين هم ذاهبون... مروراً طبعاً بالصور المرعبة المنتشرة منذ ايام لأناس يحتجون وسط النار والدمار وطلقات الرصاص وعبارات الكراهية على شريط غامض ما كان لأحد ان يسمع به لولاهم ولولا احتجاجاتهم التي جعلته خلال ايام قليلة «اشهر فيلم تافه في تاريخ السينما» وهذا من دون ان يراه احد بكامله حتى اليوم! على هذا المسار المصوّر واليومي يسير إذا، في هذه الحقبة من الزمن، ايقاع الحياة «العادية» للمواطن العربي. ونحن إذا كنّا نسلّم بأن التلفزة بنقلها هذه المشاهد العبثية، تحمل الصورة شبه الكاملة لراهننا العربي، نتساءل: هل ثمة جوانب اخرى للصورة تقف خارج هذا السياق الذي اشرنا اليه اعلاه؟ بكلمات اكثر بساطة نتساءل: كيف ترانا وصلنا الى هنا؟ كيف انقلبت الصورة علينا بعد ان كانت قبل اقلّ من سنتين صورة زاهية مفعمة بالأمل تتنقل بين ميدان التحرير القاهري وشوارع صنعاء و «سلمية سلمية» في المدن والدساكر السورية والمناطق الليبية... كانت صوراً رائعة جُعل لها عنوان بسيط وعميق في الوقت نفسه: الربيع العربي. لقد كان الربيع في الحقيقة بسيطاً وملوناً واحتفالياً... غبر انه سرعان ما تضمّخ بالدماء. وبالتدريج انقلب الربيع خريفاً بائساً. انقلبت الصورة من زهوها المشرق الى ضبابها الرمادي المسودّ. لقد فوجئ كثر بهذا «الإنقلاب»...ولكن كثراً في الوقت نفسه، لم يفاجأوا... بل هم بالأحرى – ويا للأسف – فوجئوا بعمى الألوان العام. بالعمى الذي حجب مشهد الفنان عادل امام وهو يقدّم الى المحكمة وسط صمت مريب من الربيعيين العرب انفسهم! صحيح ان محكمة ما، عادت وبرّأته... لكن هذا لم يمح الإشارة المبكرة بما سوف يكون عليه الزمن «الربيعي» المقبل! والحقيقة ان تلك كانت اشارة لا اكثر. وانطلاقاً منها نرجو الا يقول لنا احد الآن ان الصور الهمجية التي بتنا نعيشها نهاراً وليلاً على الشاشات بعد ان استتب «الربيع» في بلدان الإنقلابات العسكرية الفاشلة، انما هي من فعل «الفلول»... صدقونا انها تبدو لنا اليوم بقوتها وقسوتها وغبائها، نتيجة طبيعية ان لم يكن للربيع الذي كنا حلمنا به طويلاً فعلى الأقل للوأد الذي طاول هذا الربيع... فمن صورة «سلمية سلمية» الى صور القتل على الهوية، ومن صورة الفنانين ينشدون ربيع الحرية في ميدان التحرير الى صورة الإحتجاجات الصاخبة المروّجة في نهاية الأمر لفيلم لم يكن يستحق حتى ان يذكر في حلقة ثرثارين ضيقة... مروراً بصور عشائر الخطف في لبنان والهجوم على السفارات ومعارك الشوارع العبثية... من كل هذه الصور، هل ثمة يا ترى واحدة يمكنها ان تحدثنا، بعد، عن ربيع عربي؟