لم يأتِ المنتخب السعودي الأول بجديد خلال رحلته المكوكية إلى إسبانيا وفرنسا، ولم ينجح المدرب العالمي الهولندي فرانك ريكارد في إقناع الشارع السعودي، أو حقنه على الأقل بجرعة بسيطة من التفاؤل في طريق مستقبل مجهول ما زال يغلف أسوار الكرة السعودية، إذ لم يقدم «الأخضر الجديد» في لقائي إسبانيا والغابون ما يشفع له بالمنافسة ميدانياً، ولا الظهور المشرف الذي يروي عطش الجماهير العاشقة داخل الوطن وخارجه ويعوضها عن ألم الماضي القريب وسلسلة النكسات التي طاولت «الأخضر» في مشواره القاري والعالمي. رسم ريكارد ولاعبو الأخضر أكثر من علامة استفهام حول مستقبل الكرة السعودية، بعد خسارتهم من إسبانيا بخماسية نظيفة، قبل أن تعقبها الخسارة أمام الغابون بهدف من دون رد، وظهورهم بشكل فني ضعيف لم يعكس أية بوادر إيجابية أو مكاسب حقيقية من الرحلة الشاقة والتجربتين الكرويتين، ليبقى باب السؤال مشرعاً... إلى أين تتجه الكرة السعودية بعد تراجعها عالمياً إلى المركز 105؟ ريكارد والهوية المفقودة فشل المدرب الهولندي ريكارد في تقديم منهجية فنية تقنع النقاد والمراقبين والجماهير السعودية، فعانى «الأخضر الجديد» في لقائي إسبانيا والغابون من فقدان الانسجام والتجانس وضياع لغة التفاهم بين لاعبيه على أرض الميدان، وجاءت المحاولات الهجومية خجولة باجتهادات فردية من اللاعبين الشبان، لتفتقد الجمل التكتيكية والأساليب الفنية والخطة التدريبية التي ينشدها الجميع، وظهر «الأخضر» فاقداً هويته الفنية وهيبته الكروية ليتحول إلى حمل وديع أشفقت عليه الجماهير الإسبانية في ليلة الخماسية، الأداء الباهت تواصل أمام الغابون في وقت وقف فيه المدرب العالمي موقف المتفرج مكتوف اليدين، مكتفياً بسلسلة من التغييرات التي لم يجنِ من ورائها «الأخضر» إلا تأدية الواجب، قبل أن يسارع إلى تبرير إخفاقاته كعادته عبر الإعلام، متنصلاً من المسؤولية التي رمى بها هذه المرة تجاه اللاعبين. هفوات الدفاع واصل الدفاع السعودي هفواته وظهرت ثغراته في لقاءات «الأخضر»، وأسهم الثنائي أسامة هوساوي وكامل الموسى في ولوج الكثير من الأهداف السهلة في الشباك السعودية، سواءً من التصفيات الآسيوية المؤهلة إلى نهائيات كأس عالم 2014، أو في لقائي إسبانيا والغابون، ولم يستفد الثنائي من تكرار الأخطاء في مراقبة المهاجمين وتطبيق مصيدة التسلل، وتنظيف المنطقة الخلفية أولاً بأول، وساعدهما في ضعف الجانب الدفاعي قلة خبرة ثنائي الأطراف سلطان البيشي ومنصور الحربي، وغياب النصائح التدريبية التي تنظم أداء اللاعبين في الجدار الخلفي. غياب دور صانع الألعاب فقد «الأخضر» في لقائي إسبانيا والغابون صانع الألعاب الحقيقي الذي يغذي المهاجمين بالكرات ويرسم الهجمات، ولم تكن اختيارات ريكارد كافية للقضاء على هذه المشكلة، إذ دفع بكمٍ من اللاعبين في وسط الميدان من دون تنظيم، وهو ما جعل الأداء مفككاً، ولتغيب كرات الأهداف، وحاول تيسير الجاسم وعبدالعزيز الدوسري وعبدالمجيد الرويلي وحمد الحمد وسلمان المؤشر حل هذه المعضلة، ولكن إمكاناتهم الفردية حالت دون الوصول إلى ما يريده المهاجمون، وهو ما أفقد الكرة السعودية الكثير من متعتها الجذابة ورونقها الجميل الذي كانت عليه في أواخر التسعينات وبداية العقد الحالي. الدقة في الاختيار يبدو أن «الأخضر» سيظل يعاني من غياب المدرب الهولندي فرانك ريكارد عن السعودية، وبالتالي عن نزلات دوري «زين» السعودي، إذ طاولته الانتقادات نظير سفره الدائم، واستقراره في البحرين، على رغم تصريحه في أكثر من مناسبة عن نيته صناعة منتخب قوي يسعد السعوديين، لكن الحديث تردد كثيراً حول مساعديه ودورهم في اختيار القائمة الخضراء، إضافة إلى غياب الأسماء البارزة التي لم تحظَ بفرصة الانضمام للمنتخب، بسبب عدم جهل ريكارد بقدارتها، واللافت أن بعض الأسماء التي استدعاها المدرب لم تشارك فرقها منذ فترة طويلة، وهو ما أثار الشكوك حول هوية صاحب الاختيار، في وقت يأمل فيه السعوديون أن يكون تعامل مدربهم أكثر جدية من أي وقت مضى، وألا يكون منتخبهم ضحية لكبرياء ريكارد الذي حقق كل ما يتمناه في مسيرته لاعباً ومدرباً.