يقدم متحف الفن الحديث في استوكهولم معرضاً فريداً من نوعه، إذ «يتواجه» فيه فنانان هما بابلو بياكسو ومارسيل دوشان للمرة الأولى. وكان الفنانان مرجعين مهمّين خلال القرن العشرين، ويشكّل الواحد منهما نقيض الآخر. يستمر المعرض حتى الثالث من آذار (مارس) تحت عنوان «بيكاسو/دوشان: كان على خطأ»، وهو تعليق بيكاسو الشهير الذي أدلى به عندما توفي دوشان. ويقول مدير المتحف دانيال برنباوم إن إخراج هذا اللقاء بعد وفاة الفنانين، «مسرحي» بامتياز. في قاعة واسعة هي بداية المعرض يطالعنا عملان للفنانين: «قنينة، زجاج وكمان» وهو عمل كولاج لبيكاسو يعود إلى العام 1912، و «دولاب دراجة» لدوشان عائد إلى 1913. وتتقابل صورتان عملاقتان للرسامين تظهر بيكاسو وقد وضع قناع ثور، ودوشان وقد غطى معجون الحلاقة وجهه. هذا المكان هو الوحيد الذي يعرض العملاقين وأعمالهما معاً. فهذه القاعة الفريدة تربط بين عالمي الفنانين اللذين يكتشفهما الزائر أو يُعيد اكتشافهما على انفراد. ويوضح أحد مفوضي المعرض الاميركي رونالد جونز: «ثمة فرق فعلي بين تجرد دوشان وذاتية بيكاسو». بينما يؤكد برنباوم: «أحدهما رسام كبير والآخر هو الرجل الذي أعاد النظر في طبيعة العمل الفني بحد ذاته». وكان بيكاسو غزير الانتاج في حين كان دوشان مقلاً. وبدأ الرجلان يعملان في الفترة ذاتها مع الاطراف الداعمة والمعجبين أنفسهم أحياناً. ويؤكد جونز أن الشيء الوحيد الذي يفصل بينهما هو طريقة نقل الرسالة. ويقول مستمتعاً: «المشاركة في معرض مع بيكاسو ما كانت لتزعج دوشان. لكن أظن أن بيكاسو لم يكن ليحبّذ ذلك كثيراً على الارجح». ويتابع: «قرابة نهاية حياته كان بيكاسو قلقاً جداً من ولاء الفنانين لدوشان. كان يحتقر دوشان». وكتبت الناقدة الفنية آنا برودوو اينزاينا في صحيفة «سفينسكا داغبلاديت» السويدية إن «رغبة متحف الفن الحديث في إظهار الفروقات بين الفنانين واضحة جداً». وهذا الخيار يضع بيكاسو في موقع أفضل، إذ انه في متناول الجمهور أكثر من دوشان. ويعرض للفنان الاسباني أكثر من مئة عمل من رسوم ولوحات ومنحوتات في نوع من متاهة ينتشي فيها الزائر، الا انه لا يتيه أبداً. وفي قاعتين واسعتين إحداها على شكل مكعب، تُعرض أعمال دوشان التي هي أصعب على الفهم والتي تبدو وكأنها تُركت في المكان. واللقاء بين الفنانين العملاقين لم يحصل أبداً، اذا كانا يتجنبان أحدهما الآخر كلياً. وبعد بيكاسو ينوي متحف الفن الحديث إقامة مقارنات بين دوشان وفنانين آخرين وفقاً للنموذج ذاته.