تعتبر فيروسات «الورم الحليمي البشري»Human Papilloma Viruses الأكثر انتشاراً بين أنواع الفيروسات المسبّبة للسرطان عند البشر. وفي منطقة الشرق الأوسط، وضمنها سورية، وُجِد أن قرابة 80 في المئة من الناس معرضون للإصابة بهذه الفيروسات التي تنتقل في شكل رئيس من طريق الاتصال الجنسي مع إمكان انتقالها بطرق أخرى، خصوصاً من طريق اللمس. تضمّ هذه المجموعة قرابة 120 نوعاً. وتنقسم إلى مجموعتين إحداهما عالية الخطورة والثانية منخفضة الخطورة، بالتوازي مع قدرة فيروسات كل مجموعة على تحريض التحوّل السرطاني في أنسجة جسم الإنسان وأعضائه. وتشمل المجموعة العالية الخطورة 17 نمطاً. وأثبتت بحوث مختلفة أن هذه الفيروسات موجودة في قرابة 96 في المئة من سرطانات عنق الرحم و80 في المئة من سرطانات المستقيم و40 في المئة من سرطان الثدي، إضافة إلى 30 في المئة من سرطانات الرأس والعنق. وأكّدت هذه البحوث أن الفيروسات عينها تتسبّب أيضاً بسرطان عنق الرحم الذي يعتبر السبب الثاني للوفيات بالسرطان بين النساء عالمياً. من جهة اخرى، استطاعت فرق من البحّاثة في السنوات الأخيرة، تطوير نوعين من اللقاحات المضادة لأكثر أنواع هذه الفيروسات انتشاراً، هما النوعان 16 و 18. وفي حين يحمي اللقاح الأول (اسمه «سيرفاريكس») من هذين الفيروسين، يؤمّن اللقاح الثاني («جارداسيل») حماية إضافية من نوعين آخرين من الفيروسات المنخفضة الخطورة (وهما النوعان 11 و6) المسبّبة لثآليل الأعضاء التناسلية. بناءً على هذه المعطيات، أُجريت دراسة كندية - سورية عن انتشار هذه الفيروسات في سورية، لمعرفة مدى فاعلية هذين اللقاحين بالنسبة الى السوريين. أنجز هذه الدراسة الدكتور علاء الدين مصطفى (اختصاصي في الأورام من جامعة «ماكغيل» الكندية) والدكتوران نزار عقيل ولينا غبرو، وكلاهما من كلية الطب في جامعة حلب. وسعت الدراسة لتحديد أنماط هذه الفيروسات في الأورام التي تصيب عنق الرحم والمستقيم والثدي والرأس والعنق. ودرست هذه الأورام في عيّنة من مرضى السرطان في سورية. ونشرت نتائج هذه الدراسات في أربع مجلات علمية عالمية هي: «الميكروبيولوجيا والعدوى السريرية» و «البحوث السرطانية السريرية» ( تابعة ل «جمعية الشرق الأوسط للبحوث السرطانية») و «مجلة السرطان البريطانية» و «مجلة اللقاح البشري والمعالجة المناعية». وتوصلت بحوث هذا الفريق إلى تحديد نسبة الإصابة بالفيروسات العالية الخطورة، في هذه الأنواع من السرطانات في سورية. وتبيّن أنها توجد بنسبة 95 في المئة في عنق الرحم، 53 في المئة في المستقيم، 61 في المئة في الثدي و43 في المئة في سرطانات الرأس والعنق. ومن جهة أخرى، تبيّن أيضاً وجود علاقة قوية بين هذه الفيروسات من جهة ودرجة التسرّطن والقدرة على الانتقال من جهة ثانية، مع ملاحظة أن معظم هذه الفيروسات موجودة في السرطانات الخبيثة العالية الخطورة. وفي السياق عينه، أثمرت هذه الدراسات تحديد الأنماط الأكثر انتشاراً من هذه الفيروسات (وهي: 16، 18، 33، 35، 45، 52، و55)، ما يعني أن اللقاحين الموجودين حاضراً في الأسواق، يؤمنّان حلاً محدوداً للسوريين. واستطراداً، تدعو هذه الدراسات الى الطلب من السوريين الانتظار لحين ظهور جيل جديد من لقاحات فيروسات الورم الحليمي، يشمل عدداً أكبر من الأنماط العالية الخطورة. ولفت البحّاثة النظر إلى أن الشركتين المنتجتين للجيل الأول من هذا اللقاح، تعكفان حالياً على تطوير لقاح جديد يتوقع أن يكون قادراً على توفير مناعة ضد تسعة أنماط عالية الخطورة من هذه الفيروسات، وهي أيضاً الأنماط الفيروسية الأكثر انتشاراً في سورية. * اختصاصي أورام في جامعة «ماكغيل» (كندا)