انطوت صفحة زاهية من الديبلوماسية اللبنانية بوفاة السفير السابق نديم دمشقية، والد السفير اللبناني في برلين رامز دمشقية والاستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت رياض دمشقية. انخرط في السلك الديبلوماسي في مطلع الاستقلال عام 1943 ويعتبر واحداً من أركان مدرسة التوازن التي أسسها صديقه فيليب تقلا تحت شعار «الاعتدال في الداخل والحياد في الخارج، خصوصاً بين القوى العربية». وأثناء توليه السفارة في مصر كان صديقاً لجمال عبدالناصر الذي رأى فيه السفير الذي يراعي مصالح بلده من دون أن يمس بثوابت العلاقات العربية أو يسيء الى المطالب العادلة للشعب الفلسطيني. وعمل اثناء وجوده في بريطانيا في المرحلة الأولى بمساعدة صديقه الرئيس كميل شمعون على شراء مبنى السفارة في لندن، وفي المرحلة الثانية ساهم في تأسيس «لوبي» برلماني داعم لحقوق الفلسطينيين اختار أعضاءه من الحزبين الرئيسين المحافظين والعمال. أنشأ مع زوجته البريطانية مارغريت عائلة منفتحة حضارياً وملتزمة قضايا لبنان والعرب، وربما تعود هذه العقلية الوطنية الحداثية الى كونه ولد لأب من اعيان بيروت هو بدر دمشقية ووالدة تعتبر رائدة في الحركة النسائية العربية اسمها جوليا طعمة. الوالد المسلم البيروتي والأم البروتستانتية من المختارة - الشوف، شكلا نموذجاً للعائلة اللبنانية الناهضة، وكانت جوليا طعمة دمشقية استاذة وناشرة لمجلة «المرأة الجديدة» التي أصدرتها بين عامي 1921 و1926 لتعمم روح التربية الاستقلالية، وأنشأت صالوناً ادبياً في بيروت استقبل أعلام الكتاب والشعراء مثل فؤاد صروف وأحمد شوقي وخليل مطران وفارس الخوري وجميل صدقي الزهاوي وابراهيم طوقان وأمين الريحاني وجبر ضومط وماري عجمي وعنبرة سلام الخالدي. ونعى الفقيد الذي ووري في جبانة الشهداء الأربعاء الماضي، كل من: وزارة الخارجية، ورابطة سفراء لبنان، والجامعة الأميركية في بيروت، وجمعية خريجي الجامعة الأميركية، والنادي الثقافي العربي ومؤسسة الدراسات الفلسطينية. ولد نديم دمشقيه في 5 كانون الأول (ديسمبر) 1920 وترعرع في شارع بلس (رأس بيروت) ودرس الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت وتخرج مع بكالوريوس في العام 1940، وكان بين أول ستة تخرجوا من الجامعة المذكورة في هذا الاختصاص. علّم في مدارس حكومية في البصرة في العراق، وترأس مجلس ادارة شركة المعلبات والصناعات الزراعية في سورية. وخدم في المجلس الاقتصادي اللبناني - السوري المشترك قبل أن يستأنف دراسته في الأميركية حيث نال ماجيستير في الاقتصاد في العام 1955. وشغل أيضاً منصب مدير عام لوزارة الاقتصاد اللبنانية. وتقلب في مناصب ديبلوماسية في وزارة الخارجية شملت أوتاوا والقاهرة وسويسرا وتشيكوسلوفاكيا. وشغل منصب سفير لبنان في الولاياتالمتحدة ثم في بريطانيا، وترأس الجلسة الثانية والعشرين لجامعة الدول العربية. وأنهى خدمته اللبنانية الديبلوماسية كسفير ذي مسؤوليات خاصة في العام 1979 وتقلب بعد ذلك في مناصب استشارية مختلفة. وكان الراحل دمشقية ساهم في منتصف الثمانينات وخلال أصعب أيام الحرب اللبنانية، في جهود لحماية الجامعة الأميركية وإعادة بناء «كولدج هول». وأودع السفير نديم دمشقية عصارة تجربة عمره في كتاب «محطات في حياتي الديبلوماسية: ذكريات في السياسة والعلاقات الدولية»، الصادر عن «دار النهار» العام 1995. ونال أوسمة عدة بينها وسام الأرز الوطني من رتبة فارس في لبنان وأوسمة من مصر وسورية وتونس وبريطانيا.