يعرّف العرب الرمضاء بأنها شدة الحر، أو الصخور التي تحمي من الحر والشمس، وفي حالة الجمع بين الرمضاء والنار، فإن المعنى يشير إلى الجحيم. و«بين الرمضاء والنار» عنوان فيلم يشير إلى مأساة إنسانية، ويؤهّل المشاهد لحالة من الأسى المنتظرة. وهذا العنوان الذي يشير إلى جحيم فى كلا الحالتين وأسى يعيشه ضيوف الفيلم، يتناول حياة اللاجئين الإريتريين فى مخيمات شرق السودان. بدأت الهجرة الأولى أو اللجوء الكبير، كما يقول لنا الفيلم، العام 1967 بعد نشوب الحرب الإثيوبية - الاريتيرية. وفى العام 2001 حدث ما سُمّي العودة الطوعية لإريتريا. لكن موجة ثانية من اللجوء حدثت فى 2004، وقد أفادت الإحصائيات من قبل معتمدية اللاجئين بشرق السودان بأن المخيمات تستقبل من 200 إلى 250 لاجئاً أسبوعيًا. صُنع هذا الفيلم بغرض العرض التلفزيوني ما ألزمه بقواعد هذه النوعية من العرض، حيث المقابلات الشخصية تشكل محوراً أساسياً في البناء الدرامي، فضلاً عن وجود جهد ملحوظ لفريق الإعداد نجد أكثر من خمس عشرة مقابلة داخل الفيلم الذي لا يتجاوز عرضه ال 48 دقيقة. وثمة كثير من الضيوف لم نرهم فى الفيلم سوى فى مقابلة واحدة. شتات الألم يقدم ياسر عاشور مخرج الفيلم طريقة مختلفة فى فيلمه، حيث يجمع شتات الألم عبر مشاهد متفرقة، تأتي في حكايات الضيوف، نتف من الأسى، كل يحكي عن مشكلته، بعض الضيوف استتروا بالظلام ولم يظهر منهم غير صوتهم، وآخرون لم يقدموا ببيانات تعريفية كالاسم وسنة الولوج إلى المخيم كغيرهم ممن ظهروا كذلك عبر مشاهد الفيلم. الانتقال بين هذا العدد الكبير، ساعد على نقل قطاع عرضي عن احوال اللاجئين، لكنه في المقابل لم يساهم في خلق تعاطف محدّد، فالشخصيات لا تتواجد على الشاشة بما يسمح في بناء تعاطف شخصي بينها وبين المشاهد، الذي حفظت عيناه مشاهد الدمار والحروب المتلاحقة عبر نشرات الأخبار، وحين بدأ عاشور يعدد من مرات ظهور الضيف، كان بين الضيوف أحد اللاجئين الذي هرب إلى اسرائيل، لكنه عومل هناك بشكل سيء، وتم ترحيله إلى إثيوبيا، قبل أن يعود مرة أخرى إلى مخيمات اللاجئين، ورغم معاناة الضيف إلا أن هروبه إلى اسرائيل، سيلغي اية امكانية للتعاطف لدى المشاهد العربي الذي تربى وعيه على كون اسرائيل عدواً أولاً. تعرض عاشور في فيمله لمشكلات اللاجئين فى الصحة والدعم، وطريقة المعيشة، وانتقل من شخص لآخر متناولاً معاناة الإريتريين. مشاكل كبيرة وزمن محدود محدودية زمن العرض وفق قواعد البث التلفزيوني جعلت عرض المشاكل التي يعيشها اللاجئون أشبه بتصفح جريدة، كل محور يتم التطرق له فى دقائق معدودة عبر مقابلات تلفزيونية، وفي لقطات تؤكد ما يحكيه الضيف، من بين كل المشاكل التي يعيشها اللاجئون، تم التطرق لثلاث مشاكل بتعمق أكبر وهي خطف اللاجئين سواء لطلب فدية مقابل إعادتهم أو بأغراض الاتجار بهم وبأعضائهم، والمشكلة الثانية الدعم المقدّم للاجئين وتناقصه، اما المشكلة الثالثة فهي إمكانية عمل اللاجئين او إيجاد مصدر دخل. تطرق المخرج إلى هذه المشكلات عبر لقاءات مع الأطراف، واستعراض لقطات أرشيفية (جرائد) مقدمًا بذلك تفاصيل أكثر عن كل مشكلة. واللافت ان عاشور قدم اللقطات الأرشيفية بشكل جمالي ربما هو الأكثر تميزًا جماليًا داخل فيلمه، حيث صنع من الجرائد أفقاً وسماء تتحرق أمام اللاجئين. ولقد تم تصوير الفيلم في ثلاث دول هي السودان ومصر وفلسطين، وبات جهد طاقم العمل واضحاً، فى جزء كبير من الفيلم، لكن المشاهد الخارجية جاءت فى كثير منها لاستعراض تغير مواقع التصوير، والانتقال بين محاور الفيلم، كما أن بعضها جاء دون شارة تدل إلى المكان الذي تنقله الصورة. يبقى ان معالجة الفيلم تطرح أمام صُناع الأفلام بعض تساؤلات حول معالجة مثل هذه القضايا. فالمخرج وأفراد طاقمه سعوا بجد ملحوظ للإلمام بكل التفاصيل، فصار الفيلم كقطاع عرضي للمشكلة، لا يخلق مساحة تواصل بخاصة مع المشاهد الذي لن يتورط للتعاطف مع هؤلاء اللاجئين الذين أُجبروا على ترك وطنهم ويعيشون فى ظروف معيشية سيئة، سيكون على من يضطلع بعرض هذه القضايا أن يقرر ما إذا كان عليه أن يقول كل شيء، أو ينتقي بعض النقاط لطرحها. وسعى عاشور إلى التنوع في استخدام عدسات التصوير والتقنيات المختلفة لإضفاء أبعاد جمالية على الصورة، وركز مثلاً على لقطات أطفال يلهون، ويتحركون داخل المخيمات، قبل ان ينهي فيلمه بتساؤل حول هوية اللاجئ، وإحساسه بفقدان الأمل والوطن وسط إكثار من استخدام الموسيقى التي كانت من عوامل التشويش على حالة التأثر التي قد تنتاب المشاهد فى رحلة التعاطف مع الصورة.