الإيرانيون لا يُصدّقون. يقولون إن ذلك سيكون «غبياً»، وحتى لو أراد بنيامين نتانياهو شن هجوم على منشآتهم النووية فإن حكومته ستمنعه خشية «عواقب قاسية جداً». وتعتبر أكثرية المحللين الغربيين كذلك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يضاعف التسريبات عن عزمه قصف منشآت أجهزة الطرد المركزي الإيرانية إلا ليدفع باراك أوباما إلى رفع صوته ضد الجمهورية الإسلامية. يبدو التشكيك عاماً لكنه لا يمتلك أسساً صلبة بالضرورة. السبب الأول لأخذ نتانياهو بجدية يكمن في أن البرنامج النووي الإيراني لا يتوقف عن التطور. أبطأته الحرب الدائرة في الظل التي تشمل إطلاق فيروسات معلوماتية واغتيالات لعلماء، لكن عدد آلات الطرد المركزي العاملة يزداد من شهر إلى آخر، والديبلوماسيتان الأوروبية والأميركية أقلعتا عن اقتناعهما بأن المفاوضات قادرة على حمل السلطة (الإيرانية) هذه على التخلي عن تصنيع القنبلة، فيما لم يصدق نتانياهو يوماً أن العقوبات الاقتصادية قادرة على لجمها. قد يكون مخطئاً، وربما تؤدي العقوبات إلى إنهاك للنظام إلى الحد الذي يرغمه على الرضوخ قبل اضطراره إلى مواجهة تعقيدات داخلية كبيرة جداً. هذا ما تأمل به الحكومات الغربية. وهذا ما لا يريد أوباما تجاوزه تجاوزاً سريعاً نحو الوسائل العسكرية ويرفض أن يرغمه الإسرائيليون (على الخيار العسكري)، في حين يخشى نتانياهو حلول اليوم الذي تتعذر فيه مهاجمة المواقع الإيرانية لامتلاك الجمهورية الإسلامية السلاح النووي. السبب الثاني الذي قد يحفز القيام بعمل ما في الأسابيع المقبلة هو أن الحزب الجمهوري في الولاياتالمتحدة، وبقيادة ميت رومني، يندد تنديداً شديداً بالتراخي المفترض الذي يبديه أوباما حيال إيران وأن نظام الملالي ما زال مكروهاً جداً في أميركا، وأن المرشح أوباما قد يخسر كثيراً في إظهار عدم تضامنه مع إسرائيل وسط الحملة الانتخابية. هنا ثمة نافذة فرص لنتانياهو وهي السبب الثالث لأخذه بجدية، فالأزمات في الشرق الأوسط تحد كثيراً من الأخطار التي ستواجهها إسرائيل، إذا مضت وقصفت المواقع الإيرانية. ليس فقط لأن النظام السوري، الحليف الرئيس لإيران، مشغول جداً بذبح شعبه ولن يشن حرباً على إسرائيل، وليس فقط لأن «حزب الله» اللبناني، المنظمة الشيعية القوية التي سلحتها طهران، سيكون عليها التفكير مرتين قبل إطلاقها صواريخ على تل أبيب في وقت لم يعد بشار الأسد في موقف يتيح له دعم الحزب، وإيران لن تكون قادرة على ذلك أيضاً. كما أن شريحة كبيرة جداً من اللبنانيين سيتهمونه بالإتيان بالحرب إلى أراضيهم للتضامن مع الجمهورية الإسلامية. هذان العنصران الأساسيان لا يغفلهما نتانياهو حتماً، لكن الأمر الجوهري في مكان آخر. المعطى الأساس في الشرق الأوسط اليوم هو الصدام المتصاعد بين السنّة والشيعة. النزاع الكامن أبداً، لا يضع الحكومات السنّية والنظام الإيراني مع حلفائه الإقليميين وحدهم في مواجهة بعضهم بعضاً، بل أيضاً ومنذ بداية التمرد السوري، حيث وضعت ديكتاتورية ذات ولاء شيعي في مواجهة أكثرية سكانية سنّية، وتتسع الهوة بين المذهَبَيْن الإسلاميَّيْن على مستوى المؤمنين بهما. وبعد تفاقم التوترات بين الأقلية السنّية والأكثرية الشيعية في العراق، يأتي الصراع السوري ليقسم الشرق الأوسط بين أمم أو جماعات (من الدينين المذهبين). ومن الحكومات والسكان، هناك الشيعة من جهة- إيران و «حزب الله» والنظام السوري- والسنّة في الجهة الثانية، وأيضاً دول الخليج وتركيا والحكومات الإسلامية التي جاءت نتيجة الربيع العربي. وتكاد دول (...) لا تخفي فقدانها الصبر على قيام إسرائيل بعمل ضد نظام فعل كل شيء ليزعزع استقرارها منذ ثلاثين عاماً. وليست لدى تركيا أي رغبة في رؤية إيران تحصل على السلاح النووي. ولا يبدي السكان السنّة أي تضامن مع المسؤولين الإيرانيين الذين يساندون بشار الأسد، بعدما سحقوا التطلعات الديموقراطية لشبابهم. الوضع الإقليمي ليس فقط مواتياً لهجوم إسرائيلي على المواقع (النووية) الإيرانية، بل إن الحكومات الغربية بدأت تقول إنها في حال اضطرارها إلى إقامة مناطق آمنة في سورية، فليس من المُلحّ أن يتعرض النظام الإيراني إلى هزة عنيفة. ولم يثبت بعد أن نتانياهو لا يقوم بما يزيد على الخداع. * صحافي عن «ليبراسيون» الفرنسية، 28/8/2012، إعداد حسام عيتاني