قبل عام، حين استخدمت لمار (ابنتي) للمرات الأولى مفهوم عبارة «سأشتري كذا أو كذا». كنت أسألها: ومن أين المال؟ فتُجيب: من الصراف الآلي. فأقول: «الصراف يُخرج لي مالاً من حسابي. لا يتكرم به. هذا المال أعمل كثيراً لكي أجنيه». تُنهي الحديث بابتسامة منتصر: وأنا سأعمل كثيراً كي أشتري ما أريد. خلال الأسبوع الماضي في مدينة كييف «الجميلة». بعد قضاء أكثر من 15 ساعة مستمعاً لمتحدثين في «منتدى المحررين العالمي» (wan-ifra) من 2 - 5 سبتمبر. بتُ مقتنعاً - بل آمنت - بما سأقوله ل لمار أو لأخيها، إذا ما سُؤلت: كيف أجني مالاً «كثيراً» من دون أن أكون «فاسداً» أو «وارثاً» أو «تاجراً»؟! بدا المنتدى مثل كثير من الملتقيات الكبرى في المجالات الأخرى. كل الجلسات أو المحاضرات أو ورش العمل تؤدي إلى عنوان عريض وهو: «الجديد في هذه الصناعة، وكيفية الحفاظ عليها وتطويرها». في هذا الملتقى تحديداً، على رغم أن كل المتحدثين بتنوع مواضيعهم، جاؤوا ليشاركوا خبرتهم في هذا المجال - وليقولوا ما يمكن أن ينقذ الصناعة والجديد فيها - فإنه يبدو جلياً أنهم يحتفظون بالأكثر في جعبتهم. يفضلون أن يقولوا أقل بكثير مما ترغب أن تسمع! لماذا؟ لقد دُفع لهم في مقابل حديثهم ومشاركة تجاربهم! يتفق معظمهم - ظاهراً - على أن هناك كثيراً مما لا نزال نجهله، وأن المستقبل لا يُتكهن به. لكن، يبدوا أنهم يعرفون ما يكفي لإنجاح الصناعة! ربما يعرفون أكثر. كأنهم لا يقولون الحقيقة كاملة! يقتبس مدير إحدى الجلسات الحوارية في المنتدى، الدكتور دايت مير، عبارة من فيلم «بات مان» جاءت على لسان (هيث ليدجر) - «الجوكر» – «الشر»: «إذا كنت جيداً في شيء، فلا تفعله مجاناً». كان مير يتحدث عن نظرية الدفع في مقابل ما تقرأ، أو ما يتعارف عليه في الإعلام الجديد: «pay wall». يقول ل «قادة الصناعة»: جوّدوا مُنتجكم، ثم عوّدوا مستهلكه على الدفع مقابله. السؤال: كيف يجودونه ويعوّدون المستهلك؟! حتماً هو يعرف، أو يشير إلى أنه يعرف. إن مير وآخرين، يعرفون كيف يطبقون نظرياتهم على أنفسهم أيضاً، ف «إذا كان هو جيداً في شيء فلمَ يفعله لك مجاناً»؟! المتحدث جاء، بقصد أو لا، يعرض نفسه وخدماته. إنه يعرف الكثير، وهذا ما تحتاج اليه كمستثمر أو كمسؤول. إنه ليس مجرد محاضر، بل تطبيقي. عاش تجارباً ناجحة جاء ليحدثك عنها. يحقق معظم هؤلاء المتحدثين في 10 أيام ما لم تفكر يوماً أن تحصل أنت عليه كراتب شهري! إن جميع المتحدثين في المؤتمر يتعاملون مع الإعلام الجديد بصفته مروّجاً (اقرأ مقال الأسبوع الماضي). يدركون جيداً أن ما سيقولون سينتشر بطريقة أو بأخرى، أو سينشرونه بأنفسهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفيما سواها، لأنهم خبراء في التواصل. تعكس أحاديثهم بطريقة أو أخرى نهماً للمعرفة وتعلماً ذاتياً وقراءة وصبراً وولاء وصدقاً وإخلاصاً وإيجابية وواقعية... أضف كلمة «أكثر» بعد كل كلمة سبقت. هل تريد نصائح أكثر؟ ربما يجب أن «تدفع» أكثر، لتعرف أكثر، لتجني أكثر. إنه طريق الألف خطوة الذي يبدأ بخطوة. «آسف لا شيء شخصي، إنه العمل» - فيلم «ذا غود فاذر». [email protected] ibadei@twitter