ألغي تصوير فيلم «محمد علي باشا» للمخرج السوري حاتم علي في مصر بعد ان قررت «غود نيوز»، الشركة المنتجة للفيلم مد جسور الإنتاج المشترك مع المؤسسة العامة للسينما وتصويره في سورية لأسباب كثيرة، قد لا يكون رخص اليد العاملة فيها السبب الرئيس في اتخاذ مثل هذا القرار. فالممثل المصري يحيى الفخراني الذي يضطلع بدور مؤسس مصر الحديثة وباني نهضتها في الفيلم يقول ان «الحصول على دبابة للتصوير في سورية أسهل بكثير من الحصول على كأس ماء». وخضع الفيلم الذي كتبته د. لميس جابر مؤلفة مسلسل «الملك فاروق»، وزوجة الفخراني، للكثير من التجاذبات الإنتاجية، ومحاولات إعادة قراءته إنتاجياً من زوايا عدة، خصوصاً أن الأزمة المالية العالمية أخذت ترخي بظلالها القاتمة على الكثير من المشاريع. حاتم علي يقول انه بتأثير هذه الأزمة سيكون من المستحيل زيادة قرش واحد على موازنة الفيلم: «لهذا آثرنا ان نصوره في سورية، ولكن بدء عمليات التصوير تأجل الى ما بعد موسم رمضان التلفزيوني، فمحمد علي باشا ارتبط بأعمال تلفزيونية لن ينتهي منها قريباً». هنا حوار مع حاتم علي الذي زار اخيراً استوديوات «راموج فيلم» في مدينة حيدر آباد الهندية تحضيراً لمشاريع تلفزيونية جديدة يجرى البحث فيها حالياً مع جهات عربية: هل هناك معضلة بخصوص علاقتك مع النجم يحيى الفخراني، فقد درجت العادة اخيراً على ان ينسب الفيلم في مصر الى النجم الممثل وليس الى المخرج، وأنت تجيء من وسط فني مختلف تماماً؟! - بالتأكيد هناك معضلة كبيرة، وهي نابعة اساساً من الاختلاف في التقاليد الفنية بين بلد صغير مثل سورية وبلد مثل مصر يملك صناعة تلفزيونية وسينمائية أكثر تطوراً. والصناعة السينمائية - تحديداً - مرتهنة الى متطلبات السوق، وبالتالي فإن معاييرها مع الأسف مختلفة وتعتمد على شباك التذاكر، وبالتالي يبدو وكأن للنجم فيها امتيازات خاصة ولديه سلطة أكبر على المشروع الفني. ولا أخفيك ان هذا بطبيعة الحال، يخلق حساسية شديدة عند مخرج مثلي اعتاد ان يكون صاحب المشروع ومسؤولاً عنه مسؤولية كاملة من ألفه إلى يائه. كانت عندي شروطي الفنية ولا تزال، وأيضاً ديبلوماسيتي بالتعامل مع هذا الموضوع، ولدي نياتي طبعاً في ان أظل صاحب القرار الأخير على رغم إدراكي أهمية موقع الممثل في السينما المصرية، خصوصاً في السنوات العشر الأخيرة، والتي في اعتقادي كانت أحد الأسباب في عزوف وجلوس الكثير من المخرجين السينمائيين المصريين الجيدين في بيوتهم وعدم قدرتهم على إنجاز فيلم ومنهم داوود عبدالسيد ومحمد خان وخيري بشارة وتوفيق صالح. والوحيد الذي دائماً كان ينجو من هذه المعضلة ويحقق أفلامه الخاصة هو يوسف شاهين. وأنا أعتقد أن واحدة من نقاط قوة شاهين كانت تكمن في كونه منتجاً ايضاً وليس مخرجاً وحسب. أنا الآن أعمل على هذا المشروع مع «غود نيوز»، وهي شركة متفهمة ولديها أفكار تعتبر «ثورية» في هذا المجال، وهي تتعامل معي بصفتي صاحب مشروع كما يفترض التعامل مع المخرج، وأنا خلال السنوات الأخيرة أحاول أن أفرض رؤيتي الخاصة سواء من خلال تصميم الديكورات، أو من خلال تشكيل المجموعة الفنية وانتقاء الممثلين. أما الى اي مدى سيظل هذا قائماً لحظة التنفيذ قبل ان تخرج هذه المعركة بين المخرج وسلطة الممثل الى العلن، فأنا لا أعرف، ولكن هي معركة ما زالت مؤجلة، وأنا لا أنوي ان أخسرها بطبيعة الحال. سينما/ تلفزيون لماذا محمد علي سينمائياً وليس تلفزيونياً، فقد تجد راحة أكبر في العمل عليه؟ - لا شك في ان العنوان جاذب تلفزيونياً وخصوصاً بعد أن درجت مسلسلات السيرة الذاتية، وهو عنوان موحٍ لفيلم واحدة من مهماته التأريخ لسيرة محمد علي، وهو لم يكتب بطريقة الملك فاروق، بل كتب بلغة سينمائية ويتحدث في شكل أساس عن مذبحة القلعة الشهيرة. وهو يحاول ان يطرح سؤالاً ذا بعد أخلاقي وبعد سياسي، وهو: هل يجوز لحاكم ما تحت اي ظرف ولأي غاية كانت ان يقترف مذبحة بهذا الحجم؟ ومن هنا برأيي يتجذر هذا السؤال ويصبح معاصراً أكثر فأكثر، وهو ما زال يطرح مع كل اشكالية سياسية معاصرة، وهو طرح قبل سقوط بغداد اثناء محاكمة صدام حسين، ويطرح الآن في السودان، وطرح في أماكن كثيرة. فعلاً السؤال لا يزال حتى يومنا في غاية المعاصرة. ما هي مشكلة العمل في مصر حتى يتوقف تصويره هناك؟ - المشكلة ان العمل يحتاج الى فترات تحضير كبيرة، والإيقاع الذي تم فيه العمل في مصر إيقاع غير منضبط وغير صحي، ولا أعرف هل هذا عائد الى طبيعة الفيلم نفسه باعتباره فيلماً تاريخياً ضخماً، والسينما المصرية منذ زمن طويل لم تلتفت الى نتاجات من هذا النوع، عدا عن ان التكلفة نتيجة التأجيلات المستمرة في تزايد مرتفع. أجور الممثلين في الأزمة الاقتصادية العالمية. المعوقات البيروقراطية التي تمنع دخول البنادق والسيوف المستقدمة من المغرب وعدم دخول طاقم الماكياج الإيراني لحساسيات معينة. مجموعة من المشاكل بعضها بسيط وبعضها جوهري حالت حتى اللحظة دون انطلاق العمل، وبالتالي تولدت لدينا فكرة نقل المشروع برمته لتنفيذه في سورية. رقابة ما... في وقت سابق عقد مؤتمر في مصر حول محمد علي باشا وأنت حضرته حينها، لماذا ساد انطباع بأن هذا المؤتمر كان بمثابة رقابة اعتراضية مصرية على المشروع برمته؟ - برأيي مشكلة «محمد علي» تكاد تشبه مشكلة «الملك فاروق» مع الفارق بطبيعة الحال. ففاروق هو جزء من الحياة السياسية المصرية (المعاصرة)، وكان مشكلة أصعب، بينما محمد علي لا يعد بؤرة ساخنة للصراع وتكاد تكون الآراء من حوله متقاربة لا تبخسه حقه بصفته بالفعل أول من اسس لدولة عصرية من خلال تأسيسه للصناعات والنهضة العلمية وتطوير مشاريع الري والزراعة وتأسيس الجيش المصري وتطوير الصناعات الحربية، ولكنه يشبه الملك فاروق أيضاً لناحية انه تم التعتيم عليه للأسباب نفسها باعتباره مؤسس هذه العائلة التي كان فاروق آخر ملوكها. الآن هناك محاولة - لا تخص مصر وحدها - في اكثر من بلد عربي، لإعادة قراءة التاريخ قراءة منصفة تبعده من التجاذبات السياسية والقراءات الحزبية الضيقة. وفي رأيي اننا بحاجة شديدة الى مثل هذه المشاريع، ليس فقط من منظور بحثي أو تاريخي، وإنما ايضاً من منظور ممارسة يومية قد تقرب بلداننا العربية وتؤهلها سواء من ناحية الجمهور أو حتى من ناحية النخب الحاكمة في فهم مصطلح الديموقراطية وتقبل التعددية والاختلاف.