ما زلت أحتفظ بالخبر الذي قطعت وريقاته من مجلة «سيدتي» قبل حوالى خمس سنوات وربما أكثر، والذي أعود إليه فأخرجه وأتمعن فيه، ثم أعيده إلى الملف الخاص الذي أحفظ فيه كل الأخبار التي تستوقفني وتشدني، والتي تترك ندبة واضحة داخل روحي وقلبي وعقلي. الخبر كان عن قصة فتاة سورية هاجرت مع أسرتها إلى البرتغال، وهناك عانى الأب من قلة الموارد المادية، بعد أن تعثرت جهوده في الحصول على عمل دائم يكفل له ولزوجته ولبنته الوحيدة التي تبلغ من العمر 18 عاماً حياة كريمة في المهجر. أعجب بهذه الشابة رجل أعمال من بلادها يحمل الجنسية البرتغالية يبلغ من العمر 70 عاماً وتقدم لخطبتها، وأجبرها الوالدان على القبول بالترغيب والترهيب والغضب، فوافقت مضطرة، خوفاً من والديها، على رغم تنبيههما لفارق السن الذي بينهما. تزوّجت الفتاة الصغيرة من الرجل، وانتقلت إلى بيته وهي منذ اليوم الأول كانت بيّتت النية بعدم الحمل والإنجاب منه، فهو رجل غريب عنها لم يتمكّن هو من التواصل مع روحها، ولم تتمكّن هي من الاقتراب منه عاطفياً ونفسياً، لذلك فهي لا تعرف مصير علاقتها معه، ولا تريد أن تكون السبب في المجيء بإنسان لهذه الدنيا، وتتحمل تشتته وعذاباته. واظبت على استخدام موانع للحمل من دون علمه، وعندما شعرت بأن سرها قد ينكشف في يوم ما، استغلت فترة غيابه في إحدى سفرياته الطويلة للهند، وقامت بزيارة أحد الأطباء، وقامت بإجراء جراحة تجنبها الحمل، بل تحرمها من إمكان الإنجاب طوال حياتها. المثير للغرابة أن الزوج السبعيني الذي قارب على الوصول إلى شواطئ الثمانين توفي بعد الجراحة بثلاث سنوات، وبعدها بعام توفي والدها ولحقت به والدتها، وظلت هي في الحياة وحيدة تعيش في بلد ليس بلدها أخفت سرها داخل طيات قلبها حتى بلغت الخمسين من العمر لم تتزوّج ولم تنجب بطبيعة الحال، لأن التجربة الأولى بكل أبعادها تركت ذكريات دامية تمنعها من مجرد التفكير في الارتباط برجل آخر يماثلها في العمر. وعندما سألتها المحررة عن سبب إفصاحها عن سرها بعد كل هذه السنوات قالت: «لا أحد يعرفني، فليس لي إخوة أو أخوات، وزوجي الأول توفي ووالدي أيضاً، فممن أخاف؟ وأريد بقصتي أن يعلم الأهل مدى ظلمهم الشديد لفتاة في عمر الزهور أجبرت على الزواج من دون رغبتها من رجل في عمر جدها، ولو كنت تزوّجت برغبتي من رجل أحبه ويحبني لاختلفت حياتي وكنت أعيش الآن بين أطفالي ولا كنت حرمت نفسي من كلمة تدفئ قلوب الإناث وهي كلمة ماما». زواج القاصرات من رجال في أعمار أجدادهن يحمل مخاطر جمة تترك ندوباً ونتائج وقرارات قد تدمر روحاً كان من الممكن أن تعيش حياة مختلفة تماماً لو سمعت أسرتها زفراتها وآهاتها بصدق. [email protected]