في وقت انصبت الجهود الرسمية اللبنانية أمس على متابعة ملفين، الأول ملف العسكريين الأسرى لدى المسلحين السوريين في جرود عرسال وإحاطته بسرية تامة، والثاني ملف تنظيم مخيمات النازحين السوريين في بلدة عرسال ومحيطها من خلال اتصالات وتحركات معلنة، فإن طائرات حربية سورية خرقت السيادة اللبنانية ظهراً وشنت غارة على منطقة الرهوة في جرود عرسال وهي منطقة لبنانية خالصة، وغارة أخرى على معبر الزمراني وهو يقع ضمن الأراضي السورية، وفي المنطقتين تتوزع خيم للنازحين السوريين. وأعلنت قيادة الجيش عن توقيف حاجز له في وادي فيسان - الهرمل سيارة من نوع «فولفو» لون كحلي رقمها 163945/و يقودها أحمد محمد الحجيري يرافقه أشرف محمد عز الدين بداخلها قذائف «ار. بي. جي». ولم يَلْقَ بيانٌ صدر على مواقع التواصل الاجتماعي ليل أول من امس، باسم تنظيم «داعش» هدد «بتصفية العسكريين اللبنانيين تباعاً وكل ثلاثة أيام إذا لم يتم تحييد حزب الله عن المفاوضات ولم تعمل الحكومة جدياً لحل الأزمة»، ردوداً لبنانية داخلية، بل إن وزير الداخلية نهاد المشنوق شكك بصدقيته. وصدر عن المديرية العامة للأمن العام بيان جاء فيه: «عمدت أخيراً بعض وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة الى نشر أخبار تتعلق بعمل المديرية العامة للأمن العام ونسبها بشكل غير صحيح إلى مصادر في هذه المديرية. إن المديرية تهيب بوسائل الإعلام كافة عدم نشر أو التداول بأي خبر يتعلق بعمل المديرية قبل التأكد من صحته عبر الاتصال بمكتب شؤون الإعلام في المديرية». وبحث المشنوق أمس، مع الممثل المقيم للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي ومنسقة العلاقات السياسية في الأممالمتحدة هند عبد الغني، الوضع الأمني اللبناني في ضوء المستجدات التي حصلت في بلدة عرسال، وتحديداً وضع النازحين السوريين في لبنان واستراتيجية الدولة في معالجة هذا الملف، «آخذة بالحسبان سيادة الدولة اللبنانية والنواحي الإنسانية للنازحين»، بحسب مكتب المشنوق الإعلامي. وأثنى بلامبلي خلال الاجتماع على «الدور الذي يضطلع به وزير الداخلية والحكمة في معالجة الملفات المتعلقة بالوزارة». وقالت مصادر وزارية ل «الحياة» إن ما حصل في عرسال مطلع الشهر الجاري من صدامات بين الجيش والمسلحين السوريين الذين يتغلغلون في بعض مخيمات النازحين، فرض النظر في أوضاع هذه المخيمات التي كان عددها 53 مخيماً عشوائياً أقيمت في شكل تلقائي عند كل نزوح يحصل نتيجة المعارك المتلاحقة في سورية. وذكرت المصادر أن عدد هذه المخيمات انخفض إلى 50 مخيماً باحتراق 3 مخيمات منها أثناء المعارك وعودة عدد من النازحين إلى سورية أو انتقالهم الى مناطق أخرى، لكن هذا فرض البحث في تنظيم تواجد النازحين الذين يتغلغل بينهم المسلحون الآتون من جرود عرسال في كثير من الأحيان. وقالت إن هذه الحال تحتاج الى تفكيك، ولذلك اتخذ قرار إعفاء النازحين الذين يعودون الى سورية من غرامات رسوم تواجدهم على الأراضي اللبنانية لتشجيعهم على المغادرة، في وقت جرى البحث مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في ترتيب لنقل بعضهم من عرسال إلى مناطق أخرى. وأشارت مصادر وزارية إلى أن المفوضية تعرض استئجار أرض في محيط بلدة جب جنين في البقاع الغربي لنقل عدد من النازحين إلى مخيم يقام عليها، وأن الأمر قيد البحث مع وزارة الشؤون الاجتماعية. وكان وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس ناشد «الإخوة السوريين أن يحافظوا على المجتمع اللبناني كي يبقى يستقبلهم، وكي تكون البيئة صالحة للإيواء، لأنه إذا فرط هذا المجتمع فلا يعود يؤوينا ولا يؤويهم» ووصف في حديث الى «الوكالة الوطنية للإعلام» أوضاع النازحين السوريين في لبنان بأنها «وصلت الى مستوى النكبة، بل إنها نكبة عربية جديدة». ولفت إلى أن «المخيمات العشوائية في حد ذاتها لا تضم سوى 17 الى 18 في المئة من النازحين، في حين أن العدد الباقي منتشر على الأراضي اللبنانية في الشقق أو في عمارات غير مكتملة البناء، وهؤلاء يعيشون في حال دون مستوى العيش الإنساني». وأشار الى «وجود جهة ضئيلة تقوم بدعاية ضدهم»، محذراً من أنه «لا يجب على المجتمع اللبناني أن ينزلق إليها». ولفت إلى أن «مؤتمر أصدقاء لبنان أقر ما يجب أن تعطيه الدول المانحة لنا من مساعدات، ولكن إلى الآن الصندوق لم يملأه أحد». وإذ عرض الآثار الاجتماعية والاقتصادية على لبنان جراء استضافته النازحين السوريين، ذكر أن «على رغم وجود 100 ألف تلميذ سوري في المدارس الرسمية اللبنانية بدوامات منفصلة، فإنه يقابلهم 250 ألف تلميذ سوري خارج التعليم ومن دون مدارس، وهذا يزيد القلق الأمني، وما شاهدناه في عرسال عينة، مع أن بلدة عرسال ظلمت كثيراً، وأهلها كرماء، لكن الدولة أهملتهم، وعندما يكون هناك من 80 الى 90 ألف نازح سوري في قرية عرسال التي يبلغ عدد سكانها 35 ألفا، فإن ذلك يعني إحداث تغيير ديموغرافي». وأبدى درباس انزعاجه من «مبادلة سكان عرسال بما حصل فيها من أحداث أمنية بدل رد الجميل لهم، والعرفان برحابة صدرهم، ورأينا من أتى ويتنكر للإنسانية، أقصد هؤلاء الذين يقطعون الرؤوس، هذه الفئات وحوش إلكترونية، هناك من نظمها وحضر لها هذا الدور، وعلى مسؤوليتي هذه الفئات ستنكسر بأسرع مما تم تشكيلها وتحضيرها، لأن الذي أوجدهم، هو الذي أفلتهم كرأس حربة لتغيير الوضع. فهل فجأة ما حصل في العراق؟»، معتبراً أنه «تم ترك الأمور كي تستفحل، وأنا خائف من مرحلة ما بعد الاستفحال وكيف ستكون لملمة الخراب، ربما تكون الأمور مضبوطة إلى اليوم ولكن لاحقاً لا ندري». وقال: «ما خلا حادثة عرسال، الأمور لا تزال سائرة بشكل مقبول، ولكن أخشى أن ننزلق إلى منزلقات عنصرية، فالإخوة السوريون من واجبنا أن نستقبلهم، لأنه في يوم من الأيام لجأنا اليهم، ولكن نحن كنا نقطة في بحرهم في حين أنهم بحر في نقطة عندنا». حملة تبرع لعرسال وكان وزير الاتصالات بطرس حرب اتصل بالعماد جان قهوجي، وأطلعه على حصيلة حملة التبرع التي أطلقتها الوزارة عبر شبكتي الخليوي دعماً لصمود الجيش، والتي جمعت مبلغ 237 ألف دولار، ستخصص كما أعلن حرب في مؤتمر صحافي إلى عائلات العراسلة الذين قضوا في الاشتباكات بين الجيش والمسلحين. وشكرت بلدية عرسال في بيان، كل «من ساعد ولا يزال في إعادة الأمور الى ما كانت عليه في البلدة، لا سيما الرئيس سعد الحريري الذي أخذ على عاتقه مشكلة عرسال كاملة بدءاً من المؤسسات الرسمية المتضررة (المهنية - الثانوية)، كذلك مشكلة الكهرباء من اللبوة حتى عرسال كاملة إضافة الى اهتمامه بالشهداء والجرحى وملفات أخرى». كما شكرت سائر المؤسسات والهيئات الرسمية.