يعتصر الألم قلب إيمان المعلمة في المرحلة الابتدائية عندما تحين ساعة الذهاب إلى المدرسة، ويزداد الألم حين تدخل المدرسة وترى الفصل الذي درست فيه ابنتها منار عامها الأول واجتازته بنجاح، ولكن قدمها لم تطأ المدرسة بعدها، والسبب المرض الذي «أقعدها عن كل شيء». وتقول إيمان: «درست منار في المدرسة التي أعمل فيها معلمة واليوم لا استطيع تصور المدرسة من دونها، ولا أستطيع أن أمر على فصلها من دون أن أراها، فيما زميلاتها يسألن عنها ولا أستطيع الإجابة على أسئلتهن فاكتم دموعي، فيما أرى دموعهن تتساقط، بعد أن علمن بما حدث لها». بدأت قصة منار (تسع سنوات) قبل نحو عامين، بعد تسلمها شهادة تؤهلها إلى الانتقال إلى الصف الثاني الابتدائي و «بتفوق». وتعود والدتها بالذاكرة إلى تلك الأيام: «كانت تعاني من الآم مستمرة في الحلق والأذن، لذا قررت أن اعرضها على طبيب في أحد المستشفيات الحكومية وطالبت الطبيبة التي فحصتها بضرورة استئصال اللوز مع اللحميات مع توصيل أنابيب للتهوية في الأذن بسبب تجمع السوائل»، مضيفة: «أكدت الطبيبة ان الجراحة لن تستغرق سوى نصف ساعة». كانت الأم خائفة على ابنتها، «انتابتنا مخاوف من إجراء ثلاث جراحات لطفلة في مثل عمرها، ولكن الطبيبة طمأنتنا حول ذلك، مشددة أن الأطباء هم من يقررون ذلك. كما أكدت ان الجراحة تجرى في شكل عادي، وليس هناك دواعي إلى الخوف، خصوصاً بعد ان أكدت ان من سيجري الجراحة لمنار هو أحد الاستشاريين الكبار في المستشفى». خضعت منار لفحوصات وتحاليل قبل إجراء الجراحة وحُدد لها موعد مع الاستشاري بعد أسبوع من إجراء التحاليل والفحوصات، ليقوم بالكشف عليها قبل إجراء الجراحة. وتؤكد إيمان: «ذهبنا في الموعد المحدد لنفاجأ بأن الجراحة ستجرى لابنتي في اليوم ذاته. ولم يكشف عليها الطبيب. وبعد أن دخلت إلى غرفة الجراحات استمرت الجراحة ساعتين متواصلتين، وهو بخلاف ما قالته الطبيبة، كما اكتشفنا ان من أجرى لها الجراحة طبيب آخر غير الاستشاري الذي أقنعونا به، والذي وقعنا بالموافقة على إجراء الجراحة لأنه من سيجريها». أخيراً غلبت الدموع إيمان وهي تتذكر كيف خرجت ابنتها من غرفة الجراحات «كانت تبكي من الألم في حلقها، وبعد مرور الفترة التي أوصوا بأن لا تشرب خلالها الماء، قمت بإعطائها الماء وبالمقدار الذي أوصوا به، إلا أن منار لم تستطع الشرب، فقد كانت هناك سوائل وأوساخ داخل حلقها». وتتابع الأم: «فجأة تغير لونها إلى الأزرق وتوقف جهاز النبض عند الصفر وأصبت بحال هلع، وبعد محاولتين للإنعاش عاد إليها النبض، لتدخل في غيبوبة دامت تسعة أيام». وتنتاب الحيرة إيمان وتتمثل في سؤال: «هل يعقل أن تخضع طفلة لجراحة من دون ان تكون قيد الملاحظة قبلها؟ وأين اللوزتين التي تم استئصالهما؟ فقد سمعت من الممرضات في ما بعد ان أي شخص لديه بلغم في الصدر لا يجب إجراء التخدير له لخطورة ذلك». بعد تسعة أيام أفاقت منار من الغيبوبة، ولكنها لم تكن تقوى على تحريك عضو من جسدها الهزيل سوى العينين، إذ أصيبت بالشلل، وكان وقع الخبر على أسرتها «كالصاعقة» كما تقول أمها «سلمتهم ابنتي سليمة كالوردة، وخرجت بها من المستشفى جثة هامدة، لنبدأ معها رحلة علاج جديدة وفي مستشفى غير الذي أجرى لها الجراحة، إذ احتاجت إلى العرض على طبيب أعصاب للأطفال، وهو ما لا يتوافر في المستشفى السابق وهناك تم تشخيص حالها على أنها شلل رباعي وتشنجات، وان نسبة ذكائها تقل عن اقرأنها، نظراً إلى انقطاع الأكسجين عنها لفترة طويلة نسبياً». بدوره، وجه والد منار خطابات إلى كل من وزير الصحة السابق والمدير العام للشؤون الصحية في المنطقة الشرقية، «إلا أن كل تلك الخطابات لم تجد نفعاً، ولم أحصل على أي رد من أية جهة قمت بمخاطبتها» على حد قوله، مضيفاً: «لا أريد فتح تحقيق في الخطأ الطبي الذي وقع لابنتي، فما حدث قد حدث ولا راد لقضاء الله، والطبيب الذي أجرى لها الجراحة غادر المملكة وعاد إلى بلده، وكل ما أريده هو أن تتكفل وزارة الصحة بجميع تكاليف علاجها، فقد سافرت بها إلى التشيخ وبلغت كلفة العلاج الطبيعي لشهر واحد تسعة آلاف ريال، إضافة إلى الجراحة التي تحتاج إليها منار لقدمها، إذ إن الغيبوبة سببت لها تكلساً في العظام وظهور عظم زائد وكلفتها كبيرة جداً، وأنا موظف بسيط وليس في استطاعتنا تحمل كلفة العلاج».يحمل الأب خطاباً من رئيس الهيئة الطبية في الدمام يفيد بضرورة استكمال علاج منار في التشيخ وفي المركز ذاته الذي تلقت فيه العلاج لمدة شهر كامل. إذ أصبحت هناك سيطرة على التشنجات العصبية وتحسن طفيف في حركة اليدين والرجلين. إلا أن «الطريق أمامنا طويل لاستكمال العلاج، فأنا ووالدتها ننظر يومياً إلى صورها قبل الجراحة وتعتصر قلوبنا الحسرة، فقد كانت تلعب وتركض أمامنا، والآن لا تستطيع الحراك، ليتها تتحدث لنعلم ما الذي تشكو منه؟».