تظاهر آلاف الشبان الفلسطينيين عند ساعات الصباح الباكر في محافظات عدة في الضفة الغربية، وأضرموا النيران في إطارات السيارات، كما اغلقوا الطرق احتجاجاً على استمرار ارتفاع الأسعار، مطالبين برحيل رئيس الوزراء سلام فياض. في هذه الأثناء، اتهم وزير الأوقاف والشؤون الدينية محمود الهباش دولاً عربية بالمشاركة عمداً بفرض الحصار على الفلسطينيين لأهداف سياسية. وبادر فياض بالحديث مع المواطنين على «فايسبوك» ، مؤكداً إدراكه حجم معاناتهم، وفي الوقت نفسه عدم إمكان تثبيت الأسعار. وأضاف: «لا احتاج نصائح احد بالرحيل، وإن كان رحيلي حلاً لن أبقى يوماً واحداً». وأصر: «لست مسؤولاً عمن وقع على اتفاقية باريس الاقتصادية»، مضيفاً: «احترم حرية التعبير لكن ليس بإحراق الإطارات وإغلاق الشوارع». وكانت التظاهرات الشعبية اشتدت بعد عصر أول من امس في معظم محافظات الضفة وامتدت حتى منتصف ليل الخميس - الجمعة احتجاجاً على غلاء المعيشة. وأفادت وكالة «معا» بأن تظاهرات اندلعت في مدينة بيت جالا وقرية الخضر أضرم خلالها شبان النار في إطارات السيارات وحاويات القمامة، وردموا مفارق الشوارع بالحجارة، وتجمعوا في الشوارع ونادوا بشعارات تطالب بوقف ارتفاع الغلاء للمواد الغذائية والمحروقات وغيرها. وقال عدد من المتظاهرين للوكالة: «سعر الخبز ارتفع، والدخان ارتفع، والمحروقات ارتفعت، ومتطلبات الحياة كافة ارتفعت، والرواتب في علم المجهول، فأين نذهب، ومن حقنا التظاهر والمطالبة بحقوقنا». ونادوا بشعارات منها: «يا للعار ويا للعار، سعر الخبز صار بالدولار»، و«الشعب يريد إسقاط النظام». وفي الخليل، تجمع مساء أول من امس على دوار ابن رشد وسط المدينة، بدعوة من حراك «شباب ضد الغلاء»، المئات من المحتجين على موجة غلاء الأسعار الأخيرة، مرددين شعارات تطالب برحيل فياض وإنهاء الأزمة التي تعصف بالموطن وتضعف صموده أمام التحديات. وأكد المنظمون أن «فعالياتهم السلمية لن تنفض إلا بعد تلبية مطالبهم التي أصدروها في بيانهم الأخير، والمتلخصة في رحيل سياسة الحكومة الاقتصادية، وإلغاء اتفاق باريس الاقتصادية». وتخللت التظاهرة كلمات وأغان بطابع «خليلي» تنذر بأن ما يحدث ليس حالة ستمر وتنتهي. ودعا المنظمون المواطنين إلى المشاركة في المسيرة المقبلة التي يتوقع أن يشارك فيها 100 ألف وتنطلق نهاية الأسبوع المقبل، علماً أن الخليل خرجت بشرائحها كافة من دون أي طوابع حزبية وأن الحراك فيها كان شعبياً اجتمع على هدف واحد هو الاحتجاج على غلاء الأسعار. وطالب «شباب ضد الغلاء» في بيان لهم بإقالة فياض وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وتحديد الحد الأدنى للأجور في القطاعين العام والخاص وربطها بجدول غلاء المعيشة، وتحديد الحد الأعلى للأجور والامتيازات في القطاع العام، ودعم السلع الأساسية والمحروقات، اضافة إلى إنشاء صندوق تأمين وطني يضمن معيشة كريمة لكبار السن والعاطلين من العمل، وإلغاء العمل بقانون الضرائب الجديد وخفض ضريبة القيمة المضافة، وخفض تعرفة الكهرباء وإلغاء الرفع الأخير، والتوزيع العادل للموارد بين المحافظات، خصوصاً المياه. وأعلن العديد من التجمعات الشبابية والناشطين نيتهم تنظيم تظاهرات شعبية حاشدة بعد صلاة الجمعة. الهباش يتهم وقال وزير الأوقاف الفلسطيني في خطبة الجمعة في مقر المقاطعة في رام الله، إن ارتفاع الأسعار والغلاء سببهما الاحتلال الإسرائيلي الذي يحرم الشعب الفلسطيني من التحكم بموارده الطبيعية، بما في ذلك مياهه. وقال إن الاحتلال أقام جداراً عنصرياً منع من خلاله الحركة وفرض حصاراً وعمل على تدمير الاقتصاد الفلسطيني بكل السبل وعبر إجراءاته التعسفية المختلفة. ونقلت وكالة «سما» عن الهباش اتهامه دولاً عربية بالمشاركة عن عمد وقصد بفرض الحصار على الشعب الفلسطيني وتجويعه لأهداف سياسية، وقال: «لو ذهب الرئيس (محمود عباس) إلى مفاوضات بالشروط التي يراد لها لتدفقت الأموال وانفرجت الأزمة. إنهم يريدون مقايضة الكرامة الفلسطينية ببضعة ملايين من الدولارات، وفرض إملاءات وشروط ودولة موقتة ومسخ». وتساءل: «ما سر هذا التناغم بين تصاعد الأزمة الاقتصادية في الأرض الفلسطينية وبين معلومات مؤكدة عن حوارات ومؤامرات بين إسرائيل وبعض أطراف عربية ودولية وحركة حماس؟». وشدد على أن القيادة الفلسطينية تنطلق من مصالحها الوطنية وترفض مساومتها وفرض إملاءات عليها، كما ترفض محاولة منعها من الذهاب إلى الأممالمتحدة لتحصيل عضوية لدولة فلسطين، مضيفاً أنها وحدها من يقرر موعد الذهاب وفق مصالحها، ولا تقبل شروطاً من أحد. ودعا الهباش في ختام خطبته الفلسطينيين إلى الابتعاد عن الفوضى خلال الفعاليات الاحتجاجية على تدهور الأوضاع الاقتصادية، والحفاظ على المنجزات التي تحققت، مشدداً على أنه لا يوجد هناك مسوغ ديني أو إنساني أو أخلاقي يبيح الانتحار بسبب هذه الظروف. فياض يرد ورد فياض على الاحتجاجات بحوار على «فايسبوك» مع المواطنين، قال فيه: «أدرك حجم المعاناة التي يعيشها أبناء شعبنا نتيجة ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وأملي بأن نتمكن من الخروج سوياً من الأزمة بأسرع وقت ممكن». ونقلت عنه وكالة «معا»: «هناك ربيع فلسطيني قائم منذ النكبة ويظل قائماً طالما بقي الاحتلال، والربيع الفلسطيني سبق بعقود الربيع العربي، ولا يجوز لنا أن نستنسخ الحالة، والهم الأكبر لدينا هو إنهاء الاحتلال». وتابع: «لن اهرب من المسؤولية ولن احملها لمن وقعوا اتفاق باريس، فهذا لن يحل الأزمة، مسؤولية الحكومة واضحة وهي حل الأزمة والتعامل مع الواقع ومصارحة الشعب بصدق». وزاد أن «الحكومة تبذل كل جهد ممكن لمعالجة الأزمة الناشئة عن ارتفاع الأسعار والتخفيف من حدتها، وأن الأمر سيكون صعباً إذا لم تصلنا مساعدات وتمويل، خصوصاً من أشقائنا العرب». وأوضح: «لا يمكن تثبيت أسعار السلع الاستهلاكية لأن المستهلكين سيزيد طلبهم على السلع ويقل العرض لما سيتعرض له التاجر من خسائر، والدعم يحتاج إلى موارد مالية ضخمة تفوق قدرة السلطة الوطنية، وهذه الطريقة أثبتت فشلها في اكثر من مكان. كيف ذلك ونحن أصلاً نعاني من أزمة مالية خانقة تدفعنا أحياناً إلى تأخير دفع فاتورة الرواتب التي هي اكبر التزام مهم للسلطة الوطنية». ورداً على الدعوات إلى تنحيه، قال: «لا أحتاج لنصائح بالرحيل، أنا أقوم بمهمة وليس وظيفة، يجب أن أتعامل مع الواقع ولا ابحث عن تفاصيل الأحداث، المهم الصراحة والمكاشفة ويجب أن نفسر لأبناء شعبنا الأسباب ونقوّم ونتشاور ونقترح، وفي النهاية نخضع لتقويم الناس ونحترمهم. لست متمسكاً بمنصبي، غير أني متمسك بتقديم الخدمة لأبناء شعبي حتى آخر لحظة كمسؤول. وحينما أصل إلى وضع أجد فيه أني غير قادر على التعامل معه لأسباب موضوعية تتعلق بكل النظام، أريد أن أُطمئن الذين يرغبون في رحيلي بأني لن أكون عقبة إطلاقاً، ولن أبقى يوماً واحداً». وأضاف: «احترم حرية التعبير بكل أشكالها رغم أنها تتضمن أحياناً تجريحاً شخصياًَ واتهاماً، لكن أنا شخصياً أتقبل هذا الأمر، غير أن إشعال الإطارات ومنع سيارات الإسعاف من المرور وإلقاء الحجارة عليها، فهذا ليس امراً يقع ضمن حرية التعبير».