لا تستغرب حين ترى بعض أفراد المجتمع قد شغل وقته ونفسه وفكره بل وفاتورة جواله ومواقع الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي وأوقات الناس معه في تتبع عورات الناس وتلمس عثراتهم، ومتابعة أخبارهم من خلال ما يستطيعه من الوسائل، ثم يطلق لسانه لأكل لحوم المسلمين والخوض في أعراضهم. ويجول في ذهنك سؤال وأنت تشاهد وتسمع هؤلاء: أين أثر ثقافتنا الشرعية وأدبياتنا الإسلامية في تقويم سلوكهم؟ وهل تغيب المخزون الكبير مما نردده منذ نعومة أظفارنا من النصوص الشرعية الدالة على حرمة المسلم عن أذهانهم، ألم نحفظ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ)، وقوله تعالى: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ)، وحديث رسول الله: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه»، وحديث: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته» إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تشعرك بخيبة أمل حين يحفظها أصحابها بألسنتهم، وتغيب عن واقع حياتهم في رسالة واضحة إلى أن حفظ النص لا يعني شيئاً إذا لم يؤثر في جوارح المرء وينعكس أثره إيجاباً على مجتمعه. إن اللسان حبل مرخى في يد الشيطان يصرف صاحبه كيف شاء، فإذا لم يملك الإنسان أمره، كان فمه مدخلاً للنفايات التي تلوث قلبه وتضاعف فوقه حجب الغفلة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يستقيمُ إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه، حتى يستقيم لسانه»، وأول مراحل هذه الاستقامة أن ينفض يديه مما لا شأن له به، وألا يقحم نفسه في ما لا يسأل عنه، و«من حسن إيمان المرء تركه ما لا يعنيه»، والبعد عن اللغو من أركان الفلاح، ودلائل الاكتمال، وذكره القرآن الكريم بين فريضتين من فرائض الإسلام المحكمة الصلاة والزكاة: (قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللغو معرضون، والذين هم للزكاة فاعلون)، وقيل: «من كثر لغطه كثر غلطه». والناس يقيسون عقل المرء وطبيعة خُلقه من طريق حديثه، ويحكمون على مستوى الجماعة العام ومدى تغلغل الفضيلة فيها من خلال ما يسمعونه من أفرادها، وأكثر الذين يتصدرون المجالس - وللأسف - ويمثلون الجماعة هم من الثرثارين الذين يتحدَّر منهم الكلام متتابعاً، يجزم مستمعهم بأنهم لا يستمدون حديثهم من وعي يقظ، أو فكر عميق، وربما ظن أن هناك انفصالاً بين العقل وهذا الكلام المسترسل! وليت ثرثرتهم كانت في أمور لا تضر، إذ لم تنفع بل عمدتها أعراض الناس، ودليلها القائم الظن و«زعموا» وعاقبتها سخط الله. ألا ما أجمل أن نربي أنفسنا، ومن هم تحت أيدينا على أن نعيش الإسلام الحق، وأن يكون شعارنا حديث: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، وحديث: «قل خيراً أو اصمت». * داعية، وأكاديمية سعودية. [email protected]