اعتبر وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البريطانية أليستر بيرت أن من يعتقد أن التدخل العسكري في سورية من المستحيل تماماً «مخطئ»، لكنه كرر موقف بلاده تفضيل الاعتماد على الحل السياسي والديبلوماسي «حتى الآن». وأشار إلى عدم بلوغ الوضع الميداني الذروة، مؤكداً الحرص على عدم إعطاء المجال لتصعيد العنف وفتح أزمات جديدة في المنطقة. وشدد الوزير على أن الحكومة البريطانية ترى أن الوضع في سورية صعب جداً، وأن إقامة مناطق آمنة قد لا يكون الحل، إضافة إلى صعوبة إيجاد مثل هذه المناطق وما يعنيه ذلك من تدخل عسكري خارجي. وأكد أسفه لأن المعارضة السورية لم تصل بعد إلى توحيد ووضوح رسالتها. ونوه بجهود جميع الأطراف اللبنانية في درء الفتنة التي اعتبر أن أطرافاً ترغب في نشرها في لبنان للفت الأنظار عما يحدث في سورية، لافتاً إلى أهمية الاستمرار في ضبط النفس من قبل جميع اللبنانيين «لأن هناك خطراً حقيقياً من امتداد الأزمة السورية إلى دول الجوار إذا ما طال أمدها». وقال إن لدى حكومته «معلومات عن أدلة واضحة لتدخل إيراني في الأزمة السورية على كل صعيد». لكنه رفض الحديث عن هذه المعلومات. كما رفض التعليق على تقارير صحافية تتحدث عن تدخل بريطاني استخباراتي في سورية قائلاً: «لا نعلق على مسائل استخباراتية». وشدد على أن بلاده تعتبر التهديد الإسرائيلي بتوجيه ضربة عسكرية إلى منشآت إيران النووية «جدياً بكل ما في الكلمة من معنى»، لكنه كرر موقف بلاده الرافض لهذه الضربة، «خصوصاً أنه لا يزال هناك وقت للتفاوض». وأبدى تفهمه للموقف الإسرائيلي الذي وصفه بأنه «مبني على حماية النفس خصوصاً في إطار التهديدات المستمرة على لسان كبار المسؤولين الإيرانيين ضد أمن إسرائيل وسلامتها ووجودها». ورداً على سؤال عن مراوحة المواقف البريطانية مكانها بينما يزداد عدد القتلى بالمئات ويزداد التهديد للسلم الإقليمي، اعترف بيرت بأن الوضع على الأرض محزن جداً «بينما لا توجد أية إشارة صادقة إلى أن الأمور تتحسن، ولا نزال نرى النظام السوري يحارب من أجل البقاء من دون الانصات إلى النصائح من دول العالم، ويقوم بأعمال إجرامية ضد الإنسانية وهذا ما وثقته الأممالمتحدة، إضافة إلى استمراره في تصميمه على إثارة العنف والحقد المذهبي والعرقي لحماية مواقعه، وللإيحاء لأولئك الذين يدعمون النظام بأنهم إذا ما تخلوا عنه فإنهم سيقتلون». ورأى أن «هناك معارضة غير قادرة على الوصول إلى موقف أو رسالة واحدة»، معتبراً هذا أمراً يقلق حكومته «وهي تعمل جاهدة لتصحيح هذا الوضع». واعتبر أن الأحداث في سورية تتأثر يما يجري في الداخل أكثر من تأثرها بما يجري في الخارج، وأن «من الخطأ الفادح التخلي عن العمل الديبلوماسي والسياسي لأن من المؤكد أن هذا النظام سيزول ولا بد من التحضير لليوم الثاني بعد زواله، وعدم توافق الأطراف السورية في ما بينها يعقد الأمور». وكرر رفض تزويد المعارضة بالسلاح، لكنه رفض التعليق على معلومات عن وجود عناصر عسكرية أو استخباراتية داخل سورية، وكذلك ما إذا كانت بلاده تقوم بأي تدريبات عسكرية، قائلاً: «نحن لا نرد على أية تقارير أو معلومات استخباراتية». واكتفى بالتأكيد أن حكومته «تدعم الثوار بتزويدهم بوسائل الاتصال وتدربهم على ذلك وهذا الدعم مختلف عن الدعم الإنساني الذي يزداد باستمرار». ورداً على سؤال عن وصول الدول المجاورة إلى حدود عدم القدرة على استيعاب المزيد من اللاجئين، والحديث الفرنسي - التركي عن إيجاد مناطق آمنة، قال بيرت: «نعم، من الواضح أن هذه الدول ستصل إلى وقت لا تستطيع استيعاب مزيد من اللاجئين، لكننا لم نصل إلى هذه المرحلة، واعتقد أنه في المرحلة القريبة المقبلة سيستمر تدفق اللاجئين، لكن إلى أن نصل إلى مرحلة الاستيعاب القصوى، لا يمكن الحديث بجدية عن مثل هذه المناطق لأنها في حاجة إلى حماية وقد تخلق فرصاً جديدة للصدام والنزاع، لكن في الوقت نفسه قد يأتي وقت يجبرنا على أخذ مثل هذا التحدي والخطر». واعتبر أن من الصعب تقويم ما إذا كان النظام السوري سيسقط من الداخل أو متى، مضيفاً أن «مسار الأزمة برهن على أن هناك أموراً عدة حصلت لم يكن أحد يعتقد أنها قد تحدث». وأشار إلى أن حكومته «تشجع جميع عناصر هذا النظام على الانفصال والتخلي عنه». ورداً على سؤال عن جدية ما تردده إدارته عن إمكان التدخل العسكري في سورية، قال: «بصراحة نحن نعني هذا حرفياً وبكل جدية، وقلنا وعلى سبيل المثال أن استعمال النظام للأسلحة الكيماوية التي يمتلكها سيكون خطاً أحمر يوجب التدخل العسكري». وأضاف: «مخطئ من يعتقد أن التدخل العسكري في سورية لن يحصل في أي حال من الأحوال. مثل هذا التدخل يعتمد على صعوبة الوضع في الداخل والتهديد لحياة العديد من السوريين، والأممالمتحدة لديها القوة والأساليب للتعاطي مع مثل هذه الأمور، ولكننا لم نصل بعد إلى هذه النقطة». وعن خطر امتداد الأزمة السورية ووصولها إلى لبنان، قال الوزير إن «تعامل جميع الأطراف اللبنانية مع الأزمة السورية وكبح اندلاع النزاعات المسلحة أمر لا بد من تشجيعه والثناء عليه، غير أننا نبقى قلقين على استقرار لبنان، خصوصاً إذا ما طاولته الحرب الأهلية في سورية، ونحن نعلم أن هناك من يحاول زعزعة استقرار لبنان لصرف النظر عما يجري داخل سورية، ومن السذاجة الاعتقاد بأن هذا لم يحصل. الوضع في لبنان هش وغير مريح». وبالنسبة إلى الموقفين الروسي والصيني في مجلس الأمن، أكد أنه «لا تغيير في الموقفين»، مناشداً البلدين «الاستماع إلى طموحات الشعب السوري في تغيير نظامه وعدم التوقف عند أي عمل للأمم المتحدة في أماكن مختلفة من العالم، بل التعامل مع ما يحصل اليوم في سورية في شكل منفصل». ورداً على سؤال عن جدية شن هجوم إسرائيلي على منشآت إيران النووية، قال: «نأخذ هذه التهديدات بجدية مطلقة، وفي النهاية فإن لإسرائيل الحق كدولة ذات سيادة أن تحمي نفسها، خصوصاً أمام التصريحات المجنونة وغير المقبولة التي تمس سلامة وبقاء إسرائيل من قبل مسؤولين إيرانيين كبار، وليس مستغرباً أن تسعى إسرائيل إلى حماية نفسها». لكنه شدد على أن «الوقت لم يحن بعد للتخلي عن المساعي الديبلوماسية، لكن فرصة حل هذه القضية بالطرق الديبلوماسية لها وقت ونافذة محددة لن تبقى مفتوحة طويلاً». واعتبر بيرت أن إيران ترفض فهم واقع أن المجتمع الدولي لن يقبل بأن تمتلك أسلحة نووية، مضيفاً أن هناك تفاهماً تاماً بين روسيا والصين وبقية أعضاء مجلس الأمن على المسألة النووية الإيرانية. وأضاف أن حكومته «مصممة على متابعة الحوار مع إيران في هذا الشأن». وعن التقارير التي تتحدث عن وجود بعض البريطانيين المسلمين بين صفوف الثوار في سورية، قال بيرت إنه يعتقد بأن هذه التقارير صحيحة «بل أنه سيكون من المفاجئ ألا تكون واقعية ودقيقة»، معبراً عن قلق بلاده لالتحاق هؤلاء المواطنين البريطانيين بالقتال «خوفاً من تأثرهم بأي فكر تكفيري أو متطرف». وشدد على أن حكومته «لا تتدخل في حرية تحرك مواطنيها، إلا طبعاً في ما يختص بأمنها القومي، لكنها لا تشجع البريطانيين المسلمين على الانخراط في صفوف الثوار، وعدد هؤلاء الذين يريدون الانخراط قليل». وعبر عن قلقه من تدخل عناصر «القاعدة» وغيرها من التنظيمات الجهادية في الأزمة السورية، رافضاً الحديث عن عدد أو دور مثل هذه الجماعات في الأزمة بسبب «شح المعلومات».