يكتنف الغموض مصير الاستثمارات السعودية في سورية التي تقدر بأكثر من 7.5 بليون ريال، وبات مصيرها مجهولاً، ولا سيما مع تزايد وتيرة الاضطرابات والاحتجاجات التي بدأت في شهر آذار (مارس)2011، ولا سيما أن وثائق التأمين التجارية لا تغطي في الغالب الأضرار الناتجة من الحروب وأعمال الشعب. ونصح خبراء تأمين المستثمرين السعوديين في الخارج باللجوء إلى «تأميم» مشاريعهم وممتلكاتهم في الخارج لدى صناديق تأمين دولية بدلاً من وثائق التأمين التجارية العادية، التي تغطي جميع المخاطر، بحماية تلك الاستثمارات من الاضطرابات وأحداث الشغب وتغير الحكومات، ولا سيما في مثل تلك الظروف التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط منذ بداية عام 2011. وقال رئيس مجلس الأعمال السعودي - السوري سابقاً باسل الغلاييني ل«الحياة»: «هناك تأثير سلبي واضح في الاستثمارات السعودية في سورية التي تزيد على بليوني دولار منذ اندلاع الثورة السورية»، مشيراً إلى أن «ارتفاع معدلات الاضطرابات الداخلية أسهم في توقف العمل في غالبية تلك الاستثمارات والتي تشمل مشاريع سياحية وعقارية ومصانع». وأضاف أن «المستثمرين السعوديين تكبدوا خسائر من الصعب تحديد حجمها في الوقت الراهن، ولا سيما أن هناك توقفاً تاماً لعمليات الإنتاج والبيع، إضافة إلى هبوط قيمة العملة السورية بشكل كبير، وهو ما يجعل الصورة ضبابية في هذا الخصوص، ومن الصعب تقدير مصير تلك الاستثمارات». وأشار في الوقت ذاته إلى أن بعض الاستثمارات السعودية في سورية تم التأمين عليها، ومع هذا فإن مصير تأمينها مجهول، ولا سيما أنه غير معروف ما إذا كان سيتم إدراجها تحت بنود الكوارث التي تدخل في مجال التأمين أو الحروب والتي يتم استبعادها في الغالب من وثيقة التأمين». وزاد الغلاييني بقوله: «الاستثمارات السعودية التي تم التأمين عليها في سورية كانت من شركات تأمين سورية محلية وليست عالمية، وهو ما يجعل المسألة أكثر ضبابية، ومن الصعب التنبؤ بمصير تلك الاستثمارات». أما المستشار في قطاع التأمين الدكتور أدهم جاد، فأوضح ل«الحياة»، أن وجود بنود تحتوي على تغطية أحداث الشغب والحروب الأهلية والأحداث الإرهابية تم استحداثها بعد أحداث ال11 من سبتمر عام 2001 في نيويورك في وثيقة تأمين مستقلة، في حين عملت بعض شركات التأمين على تعديل عقودها بإيجاد هذا النوع من التأمين فيها». وبين أن نوعية الوثيقة الجديدة تتضمن شروطاً صارمة، كما تستثني بعض شركات التأمين دولاً ومناطق تمر بصراعات سياسية واضطرابات، فعلي سبيل المثال بعض شركات التأمين العاملة في السعودية تستثني بعض دول منطقة الشرق الأوسط من وثيقتها التأمينة، ولا سيما تلك التي تعيش صراعات سياسية. من ناحيته، قال خبير التأمين خلدون بركات ل«الحياة»: «لا بد أن تكون وثيقة التأمين واضحة، وتتضمن ما يوضح تغطينها لأحداث الشغب أو الاضطرابات السياسية أو الحروب الأهلية، فعلي سبيل المثال ما يحدث في سورية الآن لا بد من توصيفه بما إذا كان يقع ضمن أحداث الشغب أو الحروب الأهلية، لأن هذا يختلف من حيث تغطية وثيقة التأمين». وتابع: «في حال ثبت أن ما يحدث في سورية حرب أهلية فلا بد من أن تكون الوثيقة تحتوى على بند مخصص لتغطية مثل هذه الأحداث، وينطبق ذلك على تغطية أحداث الشغب التي لا بد من أن ترد في الوثيقة في بند واضح وصريح». وأردف قائلاً: «إن وثائق التأمين يمكن أن تغطي أحداث الشغب، ولكن في حال الحروب الأهلية وتغير الأنظمة السياسية للدول فإن التأمين يكون وفق شروط قاسية وبأسعار مرتفعة في حال موافقة شركة التأمين على هذه التغطية». وأشار بركات إلى أن ما حدث في تونس على سبيل المثال اعتبر في عقود شركات التأمين أحداث شغب، مؤكداً أن الخروج من مأزق نوعية وثائق التأمين هو الاتجاه إلى التأمين على المشاريع الاستثمارية، ولا سيما إذا كانت في الخارج بواسطة صناديق تأمين متخصصة لهذا الغرض، ولا سيما أن وجود تأميم للمشروع داخل الوثيقة يحمي المشروع في ظل أي تغيرات سياسية التي يمكن أن تطرأ في البلد المقام به، ولا سيما أن الصناديق التأمينية تعمل على تأميم المشاريع بالكامل وتغطي جميع الخسائر التي يمكن أن تلحق بها بشكل كامل». وحول أنواع الوثائق التي تحمي المشاريع الاستثمارية، قال بركات: «أفضلها هي الصناديق المتخصصة التي تمنح تأميناً كاملاً للاستثمار، إضافة إلى وثائق التأمين السياسية والسيادية التي تحمي الاستثمار وتغطي الخسائر في حال حدوث حروب أهلية وتغير الحكومات». وأضاف: «وثيقة التأمين تكون ذات فائدة في حال عمل التأمين قبل بدء تنفيذ المشروع وفور الانتهاء من دراسة الجدوى له، وفي حال كان الاستثمار خارج بلد المستثمر، فلا بد من أن تكون هناك وثيقة تأمين تجارية وأخرى سياسية، فالأولى معنية بتغطية الكوارث الطبيعية والحرائق والزلازل وغيرها، أما الثانية فهي تغطي أحداث الشغب والحروب الأهلية والاضطرابات الداخلية داخل الدولة. وأشار إلى أن وثائق التأمين عموماً لا تغطي الحروب التي تحدث بين الدول، ولكن يمكن أن تغطي الحروب الأهلية وأحداث الشغب إذا ورد بند صريح بها لكل نوع، مؤكداً أن حماية الاستثمار تتطلب عمل وثيقة قبل الحدث وليس خلال الحدث أو بعده، «لأن هنالك قاعدة تأمينية معروفة تنص على احتمال وقوع الحدث وليس تأكيد وقوع الحدث، لأن الدخول في مبدأ التأكيد يسقط التأمين نهائياً». وحول حماية الاستثمارات السعودية في الدول التي تشهد صراعات سياسية واضطرابات قال بركات: «من المفترض أن تكون تلك الاستثمارات مؤمن أو مؤمم عليها لحمايتها، وأن يكون التأمين شاملاً الجوانب الأمنية والسياسية والكوارث الطبيعة».