أعلنت تركيا أنها ستواصل جهودها من أجل إقامة مناطق آمنة في سورية لإيواء اللاجئين والنازحين، وذلك على رغم تحفظات في مجلس الأمن الدولي على الفكرة. وقال ديبلوماسي تركي لفرانس برس إن بلاده لن تتراجع عن المقترح بسبب أهميته لحماية اللاجئين السوريين. وتابع موضحاً: «سنواصل حض الأسرة الدولية على التحرك. ليس هذا وضع يمكن لتركيا معالجته بمفردها، بل فقط بدعم الأسرة الدولية». وطلب وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أول من أمس في نيويورك من مجلس الأمن الدولي أن يقيم «من دون إبطاء مخيمات للنازحين داخل سورية». وقال داود أوغلو: «حتما هذه المخيمات يجب أن تتمتع بحماية كاملة»، مشيراً إلى أن بلاده التي خصصت حتى الآن أكثر من 300 مليون دولار لاستقبال 80 ألف لاجئ سوري «لا يمكنها مواجهة الدفق الراهن من اللاجئين... فيما العدد مرشح للارتفاع مع وجود عشرة آلاف من النازحين لا يزالون في الجانب السوري من الحدود». وشدد على ضرورة تحمل المجتمع الدولي أعباء المساعدات وأن تركيا «ستصل قريباً إلى مرحلة لا يعود باستطاعتها استقبال المزيد من اللاجئين». وقوبل الطلب التركي بتحفظ من جانب مسؤولي الأممالمتحدة. وقال المفوض الأعلى لشؤون اللاجئين في الأممالمتحدة انتونيو غوتيريز إن فكرة إقامة مناطق آمنة للمدنيين داخل الأراضي السورية، تتناقض والقانون الإنساني. وتابع غوتيريز: «المبدأ المعترف به دولياً هو أن لكل إنسان الحق في البحث عن ملجأ في بلد آخر والحصول عليه». وأضاف أن «هذا الحق لا يمكن تعريضه للخطر، مثلاً عبر إقامة ما يسمى مناطق آمنة أو ترتيبات أخرى مشابهة». وأكد أن «التجربة أظهرت للأسف أنه نادراً ما يكون بالإمكان تأمين حماية وأمن فعالين في هكذا مناطق»، في إشارة واضحة إلى مجزرة سربرنيتسا (البوسنة) في 1995 والتي وقعت في جيب كان موضوعاً رسمياً تحت حماية الأممالمتحدة. وفي الاجتماع نفسه دعا نائب الأمين العام للأمم المتحدة يان الياسون إلى الحذر من اقتراحات «المناطق العازلة» أو «الممرات الإنسانية»، مؤكداً أن «هذه المقترحات تطرح مسائل خطيرة وتتطلب بحثاً دقيقاً وحاسماً». ولم يتوصل مجلس الأمن إلى اتخاذ أي قرار مع رفض الصين وروسيا الدائمتي العضوية فيه كل القرارات الغربية الرامية إلى الضغط على نظام الرئيس السوري بشار الأسد. غير أن باريس ولندن أعلنتا عن مجهود إنساني إضافي تزيد قيمته على 10 ملايين دولار للاجئين. وفي ختام الاجتماع أعرب وزير الخارجية التركي للصحافيين عن أسفه «لإفساد فرصة تاريخية»، وقال: «لم يعد الوقت للكلام بل للتحرك»، مضيفاً «لا يمكن أن ننتظر من تركيا أن تتحمل وحدها كل المسؤوليات التي يجدر بالأممالمتحدة توليها». وانتقد أوغلو فشل مجلس الأمن «في الاتفاق ولو على بيان رئاسي»، واعتبر أن «نظام الأسد قد يلجأ إلى أي وسيلة يعتقد أنها ستفيده، بما في ذلك جرّ البلاد إلى صدامات مذهبية وعرقية». وشدد أوغلو على ضرورة «منع استمرار قتل الأبرياء بأسرع وقت، وتوفير مناخ الحرية في سورية لتشكيل برلمان منتخب يمثل إرادة الشعب ليقرر مصير مستقبله». وكان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس شدد على «أهمية المناطق المحررة في سورية في التحضير للمرحلة الانتقالية» وأشار إلى أن فرنسا «ستدعم هذه المناطق بالمساعدات لتتمكن من إدارة شؤونها بنفسها وتوقف فرار اللاجئين السوريين إلى الدول المجاورة». وقال فابيوس بعد ترؤسه جلسة مجلس الأمن إن مناطق «في شمال سورية وجنوبها تسيطر عليها المعارضة بقوة يمكن أن تكون ملاذاً للسوريين الفارين من وجه النظام بدلاً من عبورهم إلى الدول المجاورة في تركيا والعراق والأردن ولبنان»، مشدداً على ضرورة توفير المساعدة إلى هذه المناطق «من النواحي المادية والإدارية». من ناحيتها، قالت السفيرة الأميركية سوزان رايس إن «بشار الأسد وأولئك الذين لا يزالون يساندونه مسؤولون عن مقتل 20 ألف سوري وجرح عشرات الآلاف وهم أجبروا مئات الآلاف على الهرب بحياتهم». وقالت إن الأزمة «في أساسها ليست إنسانية بل سياسية سببتها وحشية نظام الأسد»، مشيرة إلى أن «سفك الدماء والمعاناة سيتوقفان فقط حين يرحل الأسد وتبدأ عملية انتقال إلى الديموقراطية». وإذ رحب السفير الروسي في الأممالمتحدة فيتالي تشوركين «بالدعوة الفرنسية إلى عقد الاجتماع في مجلس الأمن» فقد انتقد استخدام «المسألة الإنسانية من بعض الدول لتبرير دعم المجموعات المسلحة غير الشرعية وهو أمر غير مقبول»، داعياً «الدول التي فرضت عقوبات إلى رفعها فوراً لأنها تضر المدنيين». وقال وزير الخارجية الأردني ناصر جوده إن الحل السياسي في سورية «يجب أن يتضمن إطاراً انتقالياً يبدأ تنفيذه فوراً ويؤدي إلى تحقيق المطالب المشروعة للشعب السوري وإلى تلبية طموحاته»، مديناً «المقاربات والمنهجية المتبعة في سورية التي أدت إلى عبور نحو 180 ألف مواطن سوري إلى الأردن». وأضاف أن الأردن يقترب «سريعاً من الوصول إلى ما يفوق أضعاف طاقتنا الاستيعابية حيث وصلت المخيمات إلى أقصى ما يمكن أن تستوعبه من أعداد»، مطالباً المجتمع الدولي بالمساعدة في تلبية احتياجات اللاجئين الإنسانية. وأكد أن الأردن يدعم «أي توجه يرمي إلى تقديم المساعدات الإنسانية لمحتاجيها من السوريين داخل الأراضي السورية وفقاً للإجراءات والآليات الدولية المتعارف عليها». ووضع وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني وائل أبو فاعور الأزمة السورية في إطار «الثورات العربية وتفجر موجات المطالبة بالحقوق الأساسية على مستوى الديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان»، معتبراً أن بعض الشعوب العربية حققت انتصارات في التخلص من الديكتاتوريات وأخرى لا تزال تعاني من القتل والاضطهاد والتهجير في سعيها إلى انتزاع حقوقها الأساسية». وأشار إلى سياسة «النأي بالنفس» التي انتهجها لبنان «بتوجيه من رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي»، مشدداً في الوقت نفسه على التزام الحكومة اللبنانية الكامل «فصل الاعتبارات السياسية عن النواحي الإنسانية» في ما يتعلق باللاجئين السوريين. وأكد التزام لبنان «إيواء اللاجئين السوريين وحمايتهم أياً كانت انتماءاتهم السياسية». وقال أبو فاعور إن «لبنان تنتهك سيادته من خلال سقوط القذائف السورية التي تطلقها القوات النظامية داخل الأراضي اللبنانية لا سيما أن ذلك عرض المواطنين اللبنانيين الأبرياء في المناطق الحدودية للخطر». وأعلن نائب الأمين العام للأمم المتحدة يان الياسون أن قصف القوات الحكومية بالأسلحة الثقيلة في المناطق المدنية جعل أكثر من مليونين ونصف المليون شخص بحاجة إلى مساعدة عاجلة وحماية. ودعا المجتمع الدولي إلى تعزيز الدعم للاستجابة للاحتياجات المتزايدة والملحة لهؤلاء مشدداً على ضرورة «السماح بوصول منظمات الإغاثة الدولية وتوفير التمويل اللازم لها»، موضحاً بأن «خطة الاستجابة الإنسانية لم تتلق سوى نصف المبلغ المطلوب وهو 180 مليون دولار». وقال المفوض السامي لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيرش إن أكثر من 229 ألف شخص فروا من سورية إلى البلدان المجاورة حتى الآن.