الاهتمام بالقشور دون الجوهر والانشغال بما لا يجدي والتركيز على الشكل دون المضمون هي سمات الصراع بين القوى الفاعلة على المسرح السياسي المصري. فكل طرف يصدق أنه لا يفعل إلا الصحيح، وبالتالي تظل المسافات واسعة ومتباعدة بين الجميع. الامثلة كثيرة والمواقف متعددة وبينها ما جرى الأسبوع الماضي. فأكثر ما يثير الدهشة طبيعة الجدل حول القرض الذي طلبته مصر من صندوق النقد الدولي على خلفية زيارة رئيسة الصندوق كريستين لاغارد. وبغض النظر عن الرغبة المصرية في رفع قيمة القرض إلى 4.8 بليون دولار، وهو مبلغ أكبر مما كان مطروحاً العام الماضي، وهو 3.2 بليون دولار، فإن النقاش وربما الشجار أو الصراع حول القرض ركز على الأمور الشكلية، كما هو الحال بالنسبة إلى قضايا أخرى مهمة في مصر منذ ثورة كانون الثاني (يناير) 2011. ورغم أهمية الموضوع وتأثيره في الاقتصاد المصري ومن ثم الأوضاع السياسية وكذلك الظروف الحياتية للمواطنين المصريين جرى التركيز أثناء النقاش حول الموضوع على أمور بعيدة من المصالح الحقيقية للشعب المصري بكل طوائفه وفئاته، وصار موضوع القرض واحداً من آليات المعركة بين «الإخوان المسلمين» وحزب «الحرية والعدلة» وبالطبع الحكومة ومؤسسة الرئاسة من جهة وبين كل معارضي «الإخوان» من التيارات المختلفة، من جهة أخرى. إذ ركز معارضو الإسلاميين على التناقضات في الخطاب السياسي والإعلامي ل»الإخوان» لأنهم رفضوا مسألة القرض في الفترة الانتقالية التي أدارها المجلس العسكري بل استغلوه لشن هجوم كاسح ضد رئيس الحكومة وقتها الدكتور كمال الجنزوري، كما جرت معايرة «الإخوان» والإسلاميين عموماً بقضية الربا ومدى شرعية القروض من الناحية الدينية، وما إذا كان الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية حلالاً أم حراماً! وصل الأمر، في المقابل، إلى أن بعض رموز السلفيين اعتبروا أن الفائدة التي يفرضها الصندوق على القرض لا تمثل سوى «مصاريف إدارية»، وبالتالي فالقرض حلال، وأن الصندوق إذا زاد من قيمة الفائدة واحد في المئة إضافياً فإن القرض يصبح حراماً. عموماً مازال موضوع القرض يتم تناوله «شكلياً» بينما تنتظر الحكومة المصرية وصول بعثة من الصندوق الأسبوع المقبل للبحث في السبل التي سوف تنفذها حكومة الدكتور هشام قنديل لعلاج معضلات الاقتصاد المصري والخطوات الإصلاحية التي طلب الصندوق من الحكومة المصرية التعهد باتخاذها، وكذلك المسارات التي سيتم إنفاق القرض من خلالها، وخطط الحكومة لتسديده. تلك الأمور المهمة التي ستبحثها اللجنة كان يتعين على النخبة المصرية أن تطرحها على العامة، وأن تدور المعركة حول الشروط التي طلبها الصندوق من الحكومة قبل الموافقة على إقراضها، وطبيعة الإصلاحات التي ستتعهد بها حكومة قنديل، أو التي تعهد بها بالفعل الرئيس الدكتور محمد مرسي للسيدة لاغارد ومدى تأثيرها في حياة المواطنين واحتياجاتهم الأساسية، خصوصاً أن من الطلبات المنطقية والبديهية لكل المؤسسات المالية الدولية إعادة النظر في سياسات دعم السلع الأساسية، وبالذات المحروقات والخبز، والعودة إلى تطبيق برنامج صارم للخصخصة والتخلص من الشركات والمؤسسات التي تملكها الدولة ولا تحقق عوائد اقتصادية مربحة. وهي أمور تزيد من الأعباء التي يعانيها أصلاً المواطن البسيط الذي تأثر بشدة بعد الثورة نتيجة تراجع عائدات إنتاجية والاستثمارات الأجنبية وتوقف بعض المصانع عن الإنتاج، كذلك لم يتناول أحد ما إذا كانت قيمة القرض ستخصص لتعويض النقص في الموازنة المصرية والإنفاق على الأساسيات الاستهلاكية، أو ستستغل لتحقيق تنمية اقتصادية تمكن الحكومة من سداد القرض دون وضع أعباء جديدة على المواطنين. وتواجه الحكومة المصرية أزمة كبيرة في ميزان المدفوعات وارتفاع كلفة الاقتراض وتحميل البنوك المحلية العبء الأكبر من إقراض الحكومة، كما يعاني الاقتصاد المصري تآكلاً شديداً في الاحتياط النقدي الأجنبي، وكلها أمور كان على القوى السياسية والنخب الاقتصادية تناولها بالشرح والتحليل لتنوير المواطنين وتحذير الحكومة إذا ما كان القرض يمثل خطراً على الدولة المصرية. وإذا كانت النخب انشغلت بصراعاتها، وبعضها استغل القرض للنيل من «الإخوان»، فإن الغريب أن رئيس الحكومة هشام قنديل لم يبادر بنفسه ليشرح للناس أسباب القرض وسبل إنفاقه والموارد التي ستعمل عليها حكومته لتسديده في المستقبل، والأغرب أن أحداً من الحكم (جماعة وحزباً وحكومة) لم يخرج على الناس حتى الآن ليطرح برنامجاً زمنياً للسير في مشروع النهضة الذي خاض على أساسه الرئيس مرسي الانتخابات الرئاسية، ويفسر لهم الفارق بين قرض الصندوق وما ورد في مشروع النهضة ويبرهن لهم على أن لا تناقض بين السير في المسارين: تحقيق التنمية والاقتراض من الصندوق.