يرتكب أرافيند أديغا خطايا تصدم أبناء الطبقة الوسطى التي ينتمي اليها. يعيش في أحد أفقر أحياء مومباي، ويستخدم وسائل النقل العامة. لا يعرف قيادة السيارة، ولا سائق لديه كما يجدر بأمثاله. لا تتوافر المياه في شقته طوال الوقت، ويرفض سائقو التاكسي الذهاب الى حيّه. لا أحد يعرفه في المبنى ما عدا فتى يصرخ: «نمر أبيض» كلما رآه من دون أن يكلمه. ازدحام القطارات غير انساني، لكنه أدمنه لأنه يرغب في الاقتراب من حياة الناس الذين لم يتأثر معظمهم بالازدهار الاقتصادي في الهند. «بين الاغتيالين» الصادرة في بريطانيا عن دار أتلانتيك عن هؤلاء الناس، وتدور بين مقتلي انديرا غاندي في الثمانينات وابنها راجيف في التسعينات. في «بطارية السلطان» يتجه رجل يومياً الى السوق ليبيع حبوباً بيضاء يزعم أنها تشفي من الأمراض الجنسية كلها. لا تمنعه الحافلات المكتظة من بيع المناشير، وعندما يدخل بيته تنبئ رائحة قدميه الأسرة بعودته. يعرض منجّم عليه صور فتيان فيختار أحدهم عريساً لابنته الكبرى. عندما يزورهم الفتى مع أسرته يكتشف أنه مصاب بمرض جنسي فيرفض زواجه من ابنته، ويصارحه بأن الدواء الذي يبيعه لا يحوي غير السكر. تتزوج الابنة فتى آخر، لكن الغلام المريض يطلب مساعدة الرجل لأنه لا يستطيع الاعتراف بمرضه لوالده. يهمل الرجل عمله ويصحب الحدث الى طبيبين يؤكدان استفحال المرض وتلف الكليتين. يتحول البائع رمزاً للأب وبديلا منه، ويوفر حناناً صادقاًَ يغيب معه حساب الربح والخسارة. في «الميلاد الأخير في باندرا» يقبل قاض نزيه بتولي ملف تبني الأجانب الذي يتجنبه زملاؤه إما لرفضهم بيع أطفال الهند أو لاعتبارهم المسألة دون مستواهم. يتخطى الكبرياء القومي والمهني ليفكر بمصلحة الأطفال الذين تحق لهم فرصة العيش الأفضل في أي مكان في العالم. تقصده مساعدة اجتماعية يوماً مع زوجين ألمانيين اختارا أكثر الفتيان اسمراراً في الميتم، وتقول ان والدته ترفض توقيع أوراق التبني مع أنها لا تزوره إطلاقاً. يكتشف أن المرأة هي المتشردة التي تنقّب في تلة النفايات قرب بيته الجميل، ويطلب منها الكشف عن ذراعيها المبقعتين. كلما بحثت عن الطعام بين الفضلات عضتها الجرذان، فهل هذا ما تريده لطفلها بدلا من أن تمنحه فرصة العلم والعمل في بلد غني متقدم؟ تطبع المرأة الأمية بصمتها على الأوراق، وتشكر المساعدة الاجتماعية «أفضل قاض» في العالم. قصة أخرى عن فتى من طبقة المنبوذين يعمل والده جراح تجميل في الخليج العربي، ويرسله الى مدرسة يسوعية في بلاده حيث يتعرّض للاضطهاد الطبقي. يقرر الانتقام فيصنع قنبلة يفجرها في صف الكيمياء لكن الموقف يتحول هزلياً بفضل المعلم الذي لا يلفظ بعض الحروف بالطريقة الصحيحة. حمّال شاب في محطة القطارات يفقد احترامه لنفسه في تعامله مع الآخرين فيستغل إرهابيون سخطه لكي يجندوه. مدمن على المخدرات يوفر ثمنها من احتراف ابنتيه التسول. امرأة تتخطى سن الزواج فتعمل طباخة في بيوت الأثرياء و «تسمّن أبناء الآخرين» الذين يسيئون معاملتها. تتوقّع أسرة فتى طموح قصة نجاح خارقة منه لكنه يصاب بإعاقة لدى سقوطه من الحافلة ويتحول متسولا يحدق في المارة بعينين مجنونتين. يهمّش الفقر شخصيات أديغا ويمدّه بزاده، وفي الوقت الذي يتلصص على عالم هو ليس منه يتبنى بعض عاداته الغريبة على طبقته. تقول إحدى الشخصيات ان الفارق بين الثري والفقير ان الأول يستطيع ارتكاب الكثير من الأخطاء في حين ان غلطة واحدة من الفقير قد تدمّر حياته. عندما عمل أديغا صحافياً تحدّث يوماً مع أخصائي في التغذية عن السائقين الذين يجرون عربة الركاب ركضاً بينما كان هؤلاء يتحلقون حولهما. قال أديغا والأخصائي بتعالي أبناء الطبقة الوسطى ان هؤلاء يصرفون من الطاقة أكثر مما يستهلكون، فثار أحد السائقين ووبخهما بلا هوادة. يذكر الكاتب الموقف في قصة، ويقول انه أدرك في تلك اللحظة أن الصحافة وحدها لا تكفي لالتقاط الموقف، وأن الهند تبدو له بلاداً خاماً وغاضبة. انتقل مع والده الجرّاح الى أستراليا بعد وفاة والدته عندما كان في السادسة عشرة. درس في جامعة كولومبيا، نيويورك، ونال الدكتوراه في الأدب الإنكليزي من أكسفورد، واستعد للعمل مدرّساً. لكن الصحافة نادته فعمل مراسلا لمجلة «تايم» في دلهي واستقال منذ ثلاثة أعوام ليتفرغ للكتابة. كوفئ بجائزة مان بوكر عن روايته الأولى «نمر أبيض» التي بناها من رسائل شاب هندي غاضب الى رئيس الوزراء قبل أن يقتله. خطابة سلبية أمضى مارتن ستانارد سبعة عشر عاماً يبحث ويمحّص قبل أن يصدر «ميورييل سبارك: سيرة» عن الكاتبة السكوتلندية. تعاونت أول الأمر، ووعدته باطلاعه على أوراقها الخاصة، ثم سحبت دعمها عندما رأت المخطوطة. كتبت لصديقة ان كتاب ستانارد يستند الى «الخطابة السلبية» وانه «لئيم وعدائي». ولدت ميورييل كامبرغ لأب سكوتلندي يهودي وأم انكليزية أنغليكانية في 1918 وهربت في التاسعة عشرة الى روديسيا (زمبابوي) مع سيدني سبارك، الذي عمل مدرساً وكبرها بثلاث عشرة سنة، بعد وقت قصير على تعارفهما. اكتشفت بعد الزواج أنه كان مصاباً بالاكتئاب الجنوني، وتعرضت لإساءته وضربه خصوصاً بعد ولادة طفلهما الوحيد روبن عندما كانت في العشرين. كان طفلها في السادسة حين عادت الى بريطانيا وتركته مع والديها، ورأى أصدقاؤها أنها لم تحتمل مواجهة كل ما ذكرها بزوجها السابق. افتخرت بقدرتها على تجنبه، وإذ كبر وبات فناناً انتقدت عمله. لم تذكره في وصيتها، وحذرته في رسالة من أنه لن يحصل على بنس واحد اذا لجأ الى القضاء للمطالبة بثروتها. أحبّت الكاتب ديريك ستانفورد وأملت في الزواج منه، لكنه وجدها أنانية وعاطفية، وكتب قبل وفاته العام الماضي أن ولاء الآخرين لها تقدّم على كل شيء آخر. أثار غضبها عندما باع سبعين رسالة منها الى تاجر فن أميركيٍ، وبنى شخصية روائية على عشيق سابق لها. لم تكن علاقتها بالشاعر هاورد سارجنت أكثر نجاحاً، ويقول ستانارد انها جعلت رفض الرجال خيارها هي: «كانت هناك درجة من الحماية الشخصية لأنني لم أرغب بأي شيء ينافس كتابتي». اعتنقت الكاثوليكية ربيع 1954، وتلقت الدعم المعنوي والمالي من غراهام غرين الذي كان ترك الأنغليكانية الى الكاثوليكية، وربط مساعدتها بشرط امتناعها عن الصلاة له. أفرطت في تناول القهوة وحبوب خفض الوزن، ولئن شحذت هذه دماغها أولاً أصابتها بانهيار عصبي لاحقاً. بعد نيلها جائزة عن قصة قصيرة أصدرت رواية «المواسون» في 1957، وبلغت ذروتها في 1961 مع « ريعان مس جين برودي» التي حولّت فيلما نالت عنه ماغي سميث أوسكار أفضل ممثلة. على أن السعادة لم تواكب النجاح، إذ ازداد اكتئابها فتركت نيويورك وروما الى توسكانة حيث عاشت مع سكرتيرتها النحاتة بينيلوبي جاردين. نفت ما تردد عن علاقة مثلية معها، وتركت لها ثروتها البالغة ثلاثة ملايين جنيه استرلينيٍ وحقوق الطبع عند وفاتها في 2006. في 1992 كتبت سبارك سيرتها التي توقفت قبل صدور كتابها الأول، لكن «أوريون» ناشرة كتاب ستانارد رأت أن السيرة الذاتية شوّشت فترة الهلوسة والاكتئاب وعلاقتها الكارثية برجلين أرادت الزواج منهما. كانت كاتبة مجدّدة اعتمدت ما بعد الحداثة في زمن تعلّق التعبير بالهندسة وحدها، وطرحت الأسئلة العميقة القاتمة عن الوجود والإيمان والوضع البشري في قالب مرح لعوب. تقول ساندي عن مس برودي: «تعتقد أنها العناية الإلهية (...) تعتقد أنها اله كالفن، ترى البداية والنهاية».ويرى نقاد «ريعان مس جين برودي» رواية كاملة، مضبوطة المواضيع، وازنت بين بين الكوميديا الكبيرة والدراما الكبيرة، وأحيت بقوة شخصية البطلة من دون أن تكشفها. الحياة بعد «بي» صمت يان مارتل بعد نيله جائزة مان بوكر في 2002 عن «حياة بي»، وظنّ كثيرون أن الجائزة أصابته بالعجز عن الكتابة كما فعلت بكيري هولم وأرونداتي روي. لكن الكاتب الكندي سيعود السنة المقبلة برواية عن المحرقة اعتمد فيها مقاربة جديدة. كل ما قرأه عنها تمسك بالواقعية التاريخية أو الاجتماعية، لكن مارتل استخدم الأسلوب نفسه في «حياة بي» التي روت انجراف فتى هندي في قارب جمعه بنمر بنغالي. «أعتقد أن الكتّاب خافوا من إطلاق الخيال حول المحرقة. روايتي محاولة لرؤية ما اذا كانت طريقة للحديث عنها من دون تناولها حرفياً». بطلا مارتل قرد اسمه فرجيل وحمارة تدعى بياتريس تيمناً بالرجل والمرأة اللذين أرشدا دانتي في جحيم «الكوميديا الالهية» وجنتها. أنغ لي، الذي أخرج «جبل بروكباك» و «نمر يقعي، تنين يختبئ» يستعد لنقل «حياة بي» الى الشاشة.