«العيد» يعتبر محطة رئيسة وضخمة لدى المسلم لما يحتوي من معانٍ وقيم ومقاصد كبيرة، وهو نتيجة صيام شهر روحاني يمتاز عن بقية الشهور بنكهة مختلفة، وهذا سر تفرده وكونه سيدها. ومن ضمن مقاصده الأساسية تجديد روح العلاقات، ومعالجة الإشكاليات العلاقاتية بين الناس التي عادة ما تكون نتاج ظروف حياتية مختلفة، وينتج منها خلاف وشجار وانفصال، وتبقى القلوب مشحونة بالكراهية، ونورها ذابل وخافت وهي تعيش مرحلة الاحتضار، ومن لم يقاوم الأزمات العلاقاتية ويتجاوزها باحتراف، ويطهر قلبه ويراجعه باستمرار فسوف يتلوث قلبه، ويكون من الصعب تجاوز كل ما يحصل من الآخرين نحوه. إن الطريقة التقليدية التي يحتضنها المجتمع ويكررها كل مناسبة عيد جديد فهي لا تحفظ جوهر روح العيد، ولا تحقق مقاصد الشريعة فيه، ولا تعيد لمعانه وبريقه، بل تجعل الشباب والفتيات لا يعطونه حق قدره الذي يجب، وينعكس عليهم بشكل صحي، ولا يفرحون به كما يجب، بل يتعاملون معه مثل أي مناسبة عابرة بل أقل، والبعض أصبح يحاول أن يسافر أو ينشغل حتى لا يشارك الآخرين عيدهم، لأنها بالنسبة لهم أزمة زمنية أكثر من كونها أياماً مشاعرية وروحية لها قداسة وبريق تسحرك وتجعلك تنتظرها بكل شوق. اصنع الفرح وأدخله في قلبك وقلب أسرتك وأصدقائك وكل إنسان تجده في طريقك، وكن مبادراً لا تنتظر من أحد شيئاً ما، فالروح المشعة هي أكثر سعادةً واتزاناً نفسياً لأنها تزكي مشاعرها، ولأنها كذلك أكثر مقاومة للرواسب السلبية، حتى لا تبقى فتلوث الروح والذات. هناك عوامل تكوِّن الإنسان، وتصنعه ويتأثر بها، وهي عوامل مختلفة وكثيرة، والمفكرون وعلماء الاجتماع والنفس كلهم أسهموا في تحليلها ومعالجتها باجتهاداتهم المختلفة، منها معالجات متقدمة ومنها متأخرة، وكثيراً ما تعرض لها الإنسان، وهي عوامل اجتماعية وثقافية وجغرافية وغيرها. فمن الضروري الوعي بها واجتنابها. «العيد» ينتصر للأرواح الشفافة التي تسقي وتغذي الأرواح بحبها وابتسامتها، ورقيها من خلال المعاني والمردود العاطفي والتفاعل الذي تحصل عليه وتجده، لأنها أرواح تعطي قيمة التسامح حقه الذي يجب كما هو مشروع. من المحزن أن تجد وجوهاً ملامحها متجهمة، منها من ترى البؤس عابثاً وشارداً فيها، وأصحاب هذه الملامح تحتاج منا احتضاناً واحتواءً ومساعدتها، وهو واجب إنساني وشرعي، وهناك أوجه شوهتها الأحقاد لا ترى فيها شيئاً من الفرح، كذلك هي تحتاج منا كرم الأخلاق، ومشاعر صادقة تقوم مقام النصيحة بأسلوب ذكي... والعيد المقصد منه إظهار الفرح والسرور ومبادرة الآخرين ومبادلتهم وليس العكس من استحضار النزاعات وغيرها، وهو مقصد شرعي يثاب عليه الإنسان. أتمنى أن تكون هناك لجان ودورات علمية تجدد معاني مفردة العيد في أذهاننا وقلوبنا، وبرامج تجديدية تعيد للعيد روحه، من أجل استشعار قيمته ومعانيه الإنسانية، وتخفف وتضيق من دائرة العلاقات البلاستيكية القائمة بشروط المصلحة والمجاملة، والعيد دورة مليئة بالمعاني التي تضبط الأخلاقيات العلاقاتية وتحفظ سر وجودها، وتطهر القلوب، وتخفف من كمية الأحزان التي تسكنا من ظروف الحياة. * كاتب سعودي. [email protected] alzghaibi@