«النفس زهرة لينة في مهب ريح المقادير» جبران. أشبه ما تكون حياة الإنسان بالمقطوعة الموسيقية، التي عُزفت بمختلف الآلات الحياتية، فإن كانت نوعية الآلات عالية الجودة، وطريقة العزف نابعة من قلب صادق رقيق، يتميز بجرأة التفكير، وبسالة القلب، كل ذلك بحثاً عن الروح والذات والحقيقة، وكانت الأنغام متناسقة خلقت صدى وصوتاً جميلاً يبث النور والسعادة والمعرفة. وإن كانت نوعية الآلات والأدوات المستخدمة في مواجهة التقلبات الحياتية متنافرة ولم تتمازج بروح العقل والقلب، والصدق أصدرت أصواتاً يهرب منها كل أصحاب الذوق العالي. إن الإنسان مقطوعة موسيقية صغيرة في أعماق هذا العالم الكوني الموسيقي، إن العالم القديم والحديث مليء بالمقطوعات الموسيقية الجميلة والقبيحة. والمقطوعات الموسيقية نسبية، منها ما هو عالي الجمال أو القبح، ومنها ما بينهما بشكل متفاوت، وذلك راجع لمدى نوعية الآلات وطريقة العزف بها. ولمدى وعي العازف وعمق إدراكه للعبة الحياة وفهم طبيعتها وأسرارها التي يغذي منها طبيعته. الروح والعقل وكل معاني الرقي العقلي والفكري والعاطفي. كلها أساسيات مؤثرة وصانعة للجمال التناسقي والتناغمي في فهم مسائل الحياة صغيرها وكبيرها. لو تأمل الإنسان ذاته لوجد نفسه مقطوعة موسيقية مليئة بالأحزان والآلام والسعادة والخوف والرجاء والتمرد والمواجهة، وغيرها من المعاني الشعورية التي تبحث عن أرض مستوية من نواحي مختلفة فكرياً وأخلاقياً. كلنا مجموعات من المقطوعات الموسيقية التي يجب أن نتكامل ونتكافل من أجل نشر وبث الأصوات الجميلة التي تملأ الكون حباً، ورقياً عقلياً، وسلوكاً يوافق القانون الإلهي من أجل حياة أفضل وأكثر رقياً. إن المقطوعات الموسيقية الإنسانية متنوعة الأصوات والتجارب، بحكم اختلاف طريقة العزف، واستشعار معاني الحياة بما فيها من آلام وأحزان، وأشياء تدخل السعادة على الروح. الذي يتأمل حياة الفلاسفة، والمفكرين، والثوار، والمثقفين، والأدباء يجد أنهم أكثر المقطوعات الموسيقية الإنسانية تصدر أصواتاً حزينة ومحبطة، وفيها الكثير من معاني اليأس، كل ذلك يعود لضريبة الوعي العميق للذات الإنسانية، والمسائل الحياتية، وكذلك بحكم أحلامهم أكبر من واقعهم الحياتي بمراحل كثيرة، والظروف التي تحيط بهم، فهم يحلمون ويسبحون في مدينة فاضلة مليئة بالقيم، والمثل. التي تناقض تركيبة الإنسان إلى حد كبير جداً. والدنيا مليئة بالمفاجآت التي تصنع لنا مقطوعات موسيقية بشرية راقية تسمو بالروح، وعلى النقيض هناك مقطوعات موسيقية بشرية تشوه كل معاني الرقي الروحي والفكري، والحليم حيران من شدة الألم، والاندهاش. المقطوعة الموسيقية الإنسانية، المصنوعة من القيم وكبح الشهوات الذاتية، ومطرزة بالمعاني العقلانية والمنطقية، من دون شك تصدر أصواتاً جميلة ومميزة في أرجاء الكون. تجد الناس تهفو إليها وتسمع لها، وتستمتع بها. بينما المقطوعة الموسيقية التي تكون غير متناسقة التراكيب والمعاني. بحكم إهمال تربية الذات والعناية بها على نقيض الوجه اللائق. ستصدر أصواتاً نشازاً لا تفرح المستمعين لها. والآلات المعزوف بها تعبر عما يجول في العقل والروح والجسم. فإذا ضبطت هذه العناصر الأساسية: العقل والروح والجسم أنتجت أصواتاً تمتع أرواح الآخرين. يقول مؤرخ الفكر، الأديب المفكر أحمد أمين: «إن عناصر الحياة ثلاثة: عنصر مادي يخدم الأبدان، وعنصر عقلي يخدم التفكير، وعنصر روحي يحي النفس «فلبد من تكامل وتناسق عناصر الحياة الثلاثة، وألا تطغى الواحدة على الأخرى، فتفسد العملية باختلال التوازن. إن المقطوعة الموسيقية «الإنسان» التي يرتفع فيها صوت نغمة الجسم على نغمة الروح ونغمة العقل، أو العكس تكون العملية متناقضة التمازج. والقبح الصوتي يصدر صوتاً نشازاً حينما تختل إحدى النغمات ولا تؤدي دورها الطبيعي المنوطة به. إذا كانت الموسيقى متناغمة فهي تزيل ظلمة الروح، وتضيء القلب، وتنير العقل. الإنسان نوع من أنواع الموسيقى الحياتية وتشاركه، الطيور، والجمادات، والأزهار والأشجار، والحيوانات. والكون مقطوعة موسيقية متكاملة مترامية الأطراف تشمل كل المقطوعات الموسيقية المخلوقاتية الظاهرة والباطنة. يقول جبران الجبران: «والنفس كالمرآة المنتصبة تجاه حوادث الوجود، وفواعله تنعكس عليها رسوم تلك الأشباح وصور تلك الخيالات». إن العارف للوضع الشرقي يدرك مدى قبح الموسيقى النشاز التي تصدر من هناك، ويبقى شيء من الأمل في التغيير، والانتظار لسماع أصوات الموسيقى التي تقضي على كل المقطوعات الموسيقية المشوهة التي تفسد الكون، وتسيء لجنس الإنسان أمام الخالق والمخلوقات الكونية. إن الموسيقى الطبيعية هي لغة الروح. إن النغمات التي تخرج من الأرواح البشرية هي ساعات وأيام وشهور بل سنوات من الأسى والحزن والسعادة والذكريات المفرحة والتعيسة. هناك أصوات ونغمات تخرج من عينيك دموع محرقة، وأخرى تدخل السرور والأنس. إن أجمل المقطوعات الموسيقية البشرية هي: القلوب النابضة والممتزجة بجمال الطبيعة، وفلسفة الكون، والباحثة والقريبة من النور الإلهي، والمازجة بين القديم والجديد من الروح والعقل. كثير من المقطوعات الموسيقية الإنسانية ماتت واختفت بأجسادها من عالم الوجود لكنها مازالت تنبض أكثر نبضاً وبهاء وحضوراً من حضور الأحياء أنفسهم. لأنها صادقة الطبيعة، وأدركت أدق أسرار الكون، والقانون الإلهي وعاشت في السماء وقت حياتها باحثة عن مواطن الفضيلة والمعاني السامية وكبحت شهواتها، ويوم ماتت أصبحت موجودة لا تغيب تجدها في كل المناسبات حاضرة، التي يحتاجها البشر لكل زمن وظروفه. من ألذ اللحظات أن تتعرف على مقطوعات موسيقية إنسانية تشاركها وتشارك النفس، والحياة، والخيال، والأمل، والألم. إنها لذة ممتعة لأنك وجدت فيها شيئاً من روحك.إن البحث عن الزوايا التي تكمن فيها مواطن الطبيعة والجمال والروح لشيء يعبر عن سمو ذاتي، ورقي فكري، وعاطفة جياشة واعية تصرفاتها كثيراً، ومن يبقى مسكوناً بموروثاته التي تخالف المنطق، وتبعد عن روح الطبيعة، فهي عملية تلويث للذات والحياة، وتقديم للموروث، وترك لعملية البحث عن الذات وتجديدها، الذي يعتبر من روح مقاصد الشريعة الإلهية. ومن يصدق مع ذاته بداية ومع كل شيء حوله كذلك فسيجد جوهر نفسه. من يريد النهوض لاستكمال ما بقى من الحياة، والرجوع للطبيعة، والروح والجمال والقانون، فالطبيعة ستفضي له أسرارها وأنفاسها، لأنها تشبه الإنسان كثيراً في طبيعته التي لم تزيف. وهي تحب وتصادق الذي يتنفس الرقي، وما دون ذلك فتحرمه من أسرارها وآياتها الممتلئة جمال. إن المقطوعات الموسيقية البشرية أنواع كثيرة ولا تنتهي فمنها: كالملائكة في سموها، وعلو همتها، فهم يسبحون في عالم القيم والرقي العقلي والروحي كالفلاسفة والمفكرين والأشياخ والمثقفين وهي أرقى المقطوعات التي تذوبك في النور الإلهي.ومقطوعات مخملية لا تدرك معاني الحياة لانغماسها بالكماليات، والبعد عن جدية الحياة، ومواجهة قسوتها. ومقطوعات أخرى تذهب ذرات العقل، والمنطق وتجتمع حولها الخرافات والأوهام، والوساوس. ومقطوعات تصدر التعاسة لأنهم يجهلون سبل الاحتيال التي تنقذهم من مكر الناس وخبثهم.عزيزي القارئ أي المقطوعات أنت؟ أم لك مقطوعة خاصة بك؟ [email protected]