خفض الممثل الخاص الاخضر الابراهيمي سقف التوقعات من مهمته في سورية، وذلك بعيد ساعات قليلة من تعيينه رسمياً. لقد بدأ هذه المهمة باعلان عدم استبعاده فشله فيها، وهو المشهور عنه تمسكه بالامل في كل المهمات الدولية التي قام بها في افريقيا وآسيا والشرق الاوسط. وليس صدفة أن يعيد الابراهيمي التذكير بمهمته في لبنان العام 1989، عندما كان اميناً عاماً مساعداً للجامعة العربية، في اطار اللجنة الثلاثية التي سجلت فشلاً كبيراً في وقف العنف آنذاك والتوصل الى حل سياسي. وهو الحل الذي لم يتم التوصل اليه الا في ظروف مغايرة تماما ادت الى اتفاق الطائف، بعد توافق عربي - دولي، فرضته خصوصا الحملة الاميركية - الغربية - العربية على القوات العراقية لاخراجها من الكويت، ورعته حماية سعودية - سورية - مصرية، بدعم دولي خصوصا اميركياً. اي ان الحل لأزمة بهذا التعقيد يفترض قدراً واسعاً من التوافق الاقليمي - الدولي، اضافة الى توافر ظروف داخلية تجبر الاطراف على تنازلات تؤدي الى تسوية. وقد يكون هذا ما يأمل به الابراهيمي عندما قبل مهمته في سورية. كان ملفتاً ان يطالب الابراهيمي، في بيان لجنة الحكماء، بتوافق دولي حول الحل في سورية، وليس اعلان الدعم لها. اذ من المعروف ان كل الدول الفاعلة اعلنت دعمها لسلفه كوفي انان والنقاط الست في خطته. لكن هذه الاعلانات لم تحل دون ان يعلن الموفد الدولي فشل مهمته، بعد ثلاثة شهور وجولات على العواصم ومفاوضات مع الاطراف الداخليين. ذلك ان كلاً من الداعمين كان يدعم ما يوائمه من الخطة وليس ايجاد حل سلمي للازمة السورية. فغاب التوافق وكان الفشل مكلفاً جداً، من ارواح السوريين وممتلكاتهم، واكثر من ذلك في انتقال الازمة الى مرتبة الاحتراب الاهلي ذي الطابع الطائفي وبدء تفكك النسيج المجتمعي للبلاد. أي ان الفشل لم يكن لرصيد ديبلوماسي دولي، وانما كان ولا يزال من رصيد سورية الوطن والدولة. وما يسعى اليه الابراهيمي ليس اقل من ايجاد توافق بين قوى كبرى تعيش حال حرب باردة، كامنة تارة ومعلنة طوراً. وفي ظل اعتبار روسيا انه حان الوقت لتستعيد التوازن الذي كان سائداً ايام الاتحاد السوفياتي، وان أي ترتيب في دولة حليفة يخضع اساساً للمتطلبات الاستراتيجية الجديدة. وعلى هذا الاساس تتعامل روسيا مع الازمة السورية، اذ لا تكتفي بدعم النظام القائم الذي وفر لها قاعدتها الوحيدة على المتوسط، وانما تحرك القوات والاساطيل وتخطط لمناورات، وصولاً الى التوازن الجديد المنشود. في موازاة ذلك، ما يسعى اليه الابراهيمي اقليمياً ليس اقل من تفكيك منظومة العلاقات الراهنة في المنطقة، وفي مقدمها العلاقات الايرانية - العربية التي تشهد اسوأ حالاتها منذ سقوط الشاه ونشوء الجمهورية الاسلامية قبل اكثر من ثلاثة عقود. اي على الابراهيمي ان يقنع صاحب القرار الايراني بوقف تدخلاته ووقف انتشار فروع «الحرس الثوري» في المنطقة، وان يقنعه ايضا بتغيير نظرته الى الجوار من ساحة لمصالح استراتيحية خاصة الى علاقات مصالح متبادلة. وعلى الصعيد الداخلي السوري، على الابراهيمي ان يجد توافقاً بين نظام اتخذ قراراً استراتيجياً بوأد الحركة الاحتجاجية بالنار، من دون حساب لأية تكاليف، باستثناء بقائه واستمراره، وبين ثورة شعب عانى طويلا من هذا النظام ويشكل اليوم هدفاً لكل انواع القتل والتنكيل. ويصعب توقع ان تقبل اليوم المعارضة السورية، بكل تشكيلاتها، اي حديث عن بقاء النظام الذي جمدت عضويته الجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي ودانته الاممالمتحدة بغالبية 133 دولة. ان احداً من جميع من وقفوا مع الثورة السورية لن يقبل اعادة تعويم نظام ارتكب، بحسب تقارير الاممالمتحدة، انتهاكات لحقوق الانسان وجرائم ابادة وضد الانسانية. وبدأت منذ فترة عمليات توثيق هذه الجرائم من اجل محاكمة مرتكبيها لا اعادة الاعتبار اليهم عبر اشراكهم في حل ما. في انتظار ما قد يقدمه الابراهيمي من افكار لمعالجة هذه العقد شبه المستعصية، لا يتوقف الرجل عن الحديث عن الامل، لكن الحديث هنا يعكس موقفاً فلسفياً من المشكلات الكبيرة وليس استناداً الى معطيات محددة تتعامل مع وقائع عنيدة.