أكد وزير المال اللبناني علي حسن خليل أن ليست هناك اليوم حاجة لنقاش في تدخّل دولي في لبنان لمواجهة «داعش» والإرهاب كما يحصل في العراق، وأن لبنان يستطيع أن يرتكز إلى عناصر القوة الداخلية والجامعة التي ظهرت أثناء المواجهة التي جرت في عرسال والتي ساهمت المظلة الدولية لتحييد لبنان في نشوئها. وشدد على أولوية دعم الجيش. وأقر خليل في حديث الى «الحياة» بأنه إذا استمر الشغور الرئاسي فإن التوافق اللبناني الذي ظهر في مواجهة الإرهاب و«داعش» سيتآكل. وأوضح أن موقف رئيس البرلمان نبيه بري رفض التمديد للمجلس النيابي مبدئي لكن تفعيل المجلس النيابي سيرخي بمقاربة مختلفة على الموضوع. ورأى أن حل الأزمة الراهنة في لبنان عبر اقتراح تعديل الدستور لانتخاب الرئيس من الشعب يتطلب توافقات ربما اللحظة السياسية لا تستطيع تأمينها. وعن الجهة المخوّلة إدارة الهبة السعودية للجيش اللبناني، شكر خليل المملكة على هبتها وقال:» أكدنا على حق الجهة الواهبة تكليف مَن تشاء بإدارتها وهو أمر مشروع. لكن يجب التعاطي معها وفق القواعد القانونية لعدم الوقوع في الإشكالات التي حصلت سابقاً، وأبرز سماتها عدم تسجيل الهبات وفق الأصول في قيود وزارة المال، وهي تشكل أحد الأسباب الرئيسة لمشكلة الحسابات التي نعالجها حالياً ونقوم بجهد إضافي فيها، وهي تتعلق بالحسابات العائدة لكل المرحلة السابقة بما فيها مبلغ 11 بليون دولار» (التي صُرفت بمنطق تشريع لاحق في عهد حكومتي فؤاد السنيورة وسعد الحريري)، مؤكداً الحرص على «إنجاز هذا الملف من دون التخلي عن منطق المحاسبة وهو من مسؤولية الأجهزة الرقابية». وأوضح أن «ما سمعناه في مجلس الوزراء أن الهبة عينية وليست نقدية». وعن توقف وساطة «هيئة العلماء المسلمين» في ملف العسكريين المحتجزين لدى المسلحين السوريين قال خليل: «نحن معنيون بتحرير أسرانا والأجهزة تستطيع استخدام كل الوسائل لذلك مهما تطلب الأمر خارجياً وداخلياً، لكن لسنا مع أي مفاوضات مباشرة مع الإرهابيين». هنا نص الحوار معه: كان هناك تفاؤل بحلحلة الموقف من تحريك جلسات البرلمان لإصدار تشريعات ضرورية، هذا التفاؤل تراجع. لماذا؟ والتفاؤل حصل بعد لقاء الرئيس نبيه بري مع الرئيس سعد الحريري. - ما سمعناه من الرئيس الحريري هو تأكيد على ثابتة التزام تيار «المستقبل» عدم تعطيل المؤسسات الدستورية وعلى رأسها المجلس النيابي. انطلاقاً من ذلك حرّكنا عجلة النقاش حول البنود التي يمكن أن تطرح على جدول الأعمال. الواضح أن مقاربات الفرقاء المختلفين، لا سيما بعض الأطراف المسيحيين في المجلس النيابي تنطلق من إعطاء أولوية لانتخاب رئيس الجمهورية وهي أولوية حاضرة في حركة الرئيس بري وفي نشاطه السياسي، لكن لا يصحّ من وجهة نظرنا إذا ما تعطّل استحقاق ما، أن نعطّل المؤسسات الأخرى بما يشلّ البلد ويفتح على أزمات أكثر تعقيداً ستنعكس بالتأكيد على مؤسسات أخرى، إن في السلطة التنفيذية أو على مستوى مصالح الناس، والمرحلة الأخيرة أشّرت إلى أن الخلاف على عدم النزول لإقرار سلسلة الرتب والرواتب لم يعد تقنياً مرتبطاً بالشأن المالي، بقدر ما هو قرار سياسي يتعلق بالمشاركة في الجلسات أو عدمها. وهذا الأمر يلامس حد الخطورة على انتظام الحياة السياسية في البلد. لبنان في المواجهة رغم تراجع المخاطر إلى أي مدى استطاع لبنان تجاوز خطر انتقال الإرهاب إليه بعد المواجهة بين «النصرة» و«داعش» والجيش في عرسال؟ - نحن نتحدث عن مسألة نسبية. لا شك في أن لبنان في هذه اللحظة هو أفضل على مستوى تشكيل جبهته الداخلية في مواجهة الإرهاب مما كان قبل سنة. أولاً نتيجة تظهير المخاطر الحقيقية للمجموعات الارهابية لا سيما «داعش» و»النصرة» ومخاطر اتّساع دورهما على لبنان، لبنان التشكيل الطائفي والمذهبي والسياسي، ومن جهة أخرى نتيجة وصول المعركة إلى داخل الأراضي اللبنانية في عرسال. ما نتج من هذه المعركة من التفاف كل اللبنانيين بقواهم السياسية حول الجيش والأثر الذي تركته المعارك التي حصلت على الحدود اللبنانية - السورية سابقاً من القصير وصولاً إلى القلمون، أوجدا نوعاً من الوعي الأكبر لدى اللبنانيين بأن التحدي جدي للاستقرار الداخلي، وبالتالي تولّد هذا الموقف الجامع والذي أثّرت فيه مجموعة من الأمور، منها هذا الموقف الواضح للرئيس سعد الحريري الرافض لهذه المعركة وإعلان التضامن الواضح من مكونات الطائفة السنّية مع الجيش اللبناني واصطفاف كل القوى في تعبير واحد، على الأقل في مواجهة هذه الهجمة. تراجُع ما كان يصوّره البعض أنه بيئة حاضنة للإرهاب عن أي شكل من أشكال التعبير التضامني مع «داعش» ساعد على هذا الأمر. انكفاء المجموعات الارهابية وشل قدراتها لا سيما في مسألة التفخيخ وإرسال السيارات المفخخة إلى لبنان تعطّل إلى حد كبير نتيجة ظروف المعركة والجغرافيا التي تولّدت عنها ... لكن يبقى لبنان في خضمّ المواجهة بشكل أو بآخر، وإن تراجعت نسبياً وإلى حد كبير المخاطر المباشرة. وإضافة إلى العوامل الداخلية، ما زالت المظلّة الدولية والإقليمية على تحييد لبنان على الأقل أمنياً من الانهيار والتداعي قائمة. وهذا يمكن لحظه بطريقة غير مباشرة مما حصل في عرسال ومحيطها. هذا الظل، ولو كان غير مباشر، كان ما زال حاضراً لخلق كل هذه المناخات التي تولّدت والتي رفضت أن يمتد ما حصل في عرسال إلى مساحات أخرى. هذا الظل ترجم بمساعدات عاجلة للجيش من هبة البليون دولار السعودية ومن أميركا وبريطانيا. دول الغرب دخلت الحرب على «داعش». هل يمكن الإقدام على شيء مشابه في لبنان... ويضرب الطيران الحربي الغربي «داعش»، ماذا سيكون موقف الحكومة في هذه الحال؟ - أولاً لنتفق كلنا على أن تنظيم «داعش» هو خطر حقيقي وبغض النظر عن المسببات والمسهّلات لمثل هذا الدور الذي حققه التنظيم في العراق وقبلها في سورية. لكن هو خطر يمس الجغرافيا السياسية التي خُرقت ربما لأول مرة منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى ورسم خريطة المنطقة واتفاقية سايكس بيكو، وهو خطر فعلي، ليس فقط على الاقليات بل على كل القيم التي تختزنها هذه المنطقة، لأن قيمة الأقلية هي بقدر تفاعلها مع المحيط ومع التشكيل الاجتماعي والسياسي المجاور لها. «داعش» يلعب دوراً مركزياً في محوه من العراق إلى سورية، كما في لبنان. وهذا التحدي ، إضافة إلى أن تجاوزه للحدود المرسومة باتجاه المنطقة الكردية أوجد وقائع فرضت على الدول الغربية إعادة النظر والتدخّل المباشر. لا أعتقد أن هناك حاجة لنقاش في تدخّل في لبنان إذا ما ارتكزنا على عناصر القوة الداخلية الجامعة التي تكلمنا عنها، وإذا ما مارسنا دعماً فعلياً للأجهزة الأمنية، على مستوى العديد، وهذا الأمر قامت به الحكومة، ودعم على مستوى العتاد والتجهيزات، وهذا ما يحصل من دول صديقة وشقيقة. ونحن نرحب بدعم الجيش والاجهزة الامنية ونؤيده من أي جهة كانت، ونعطي أولوية لهذا الامر وكنا السّباقين بطرح توسيع حملات التطويع في الجيش والاجهزة الامنية ليستطيع هذا الجيش القيام بمهماته إذا تأُمّنت الامكانات التي يشكل الدعم الأخير الذي حمله الرئيس الحريري واحداً من مرتكزاته التي يمكن البناء عليها لتفعيل دور الجيش. لبنان أمام أخطر التحديات توقّع الوسط السياسي أن ينعكس التوافق اللبناني على مواجهة الارهاب داخلياً لجهة إنهاء الشغور الرئاسي وهذا لم يحصل. ألا تعتقد أن استمرار الشغور يعرّض التوافق للتآكل؟ - بالتأكيد. نحن في حال شاذة في حياتنا السياسة نتيجة غياب رئيس الجمهورية وهذا أمر يجب أن يبقى في الأولويات. لكن بالقدر نفسه يجب أن ننتبه إلى مخاطر شلّ مؤسسات الدولة الأخرى وتعطيلها إن كان في المجلس النيابي أو الحكومة ومخاطر انعكاس هذا على بقية المؤسسات الامنية والسياسية والخدماتية. وإذا بقينا في المراوحة لبنان أمام تحدي الفراغ في أكثر من سلطة وبالتالي يجب أن يواجه بعقلانية وبانتباه إلى تداخل المسائل الدستورية والقانونية مع الموقف السياسي ومع الوقائع التي يمكن أن تنتج على الارض. في لحظة ما، يمكن أن يحصل هذا التشابك بين الموقف السياسي وبين القواعد الدستورية والقانونية وبين الوقائع الناتجة من تطورات المنطقة... الداخل، الأمن، الاقتصاد، المال. وبالتالي لبنان أمام تحد ربما يكون من أخطر التحديات التي مر فيها منذ 50 سنة. إذا لم تحصل الانتخابات النيابية هناك مشكل كبير في مواعيدها، وإذا حصلت الانتخابات النيابية ستنتج أيضاً مفاعيل قانونية ودستورية، كلّها مع بعضها يجب أن تخضع لنقاش جدي بين القوى السياسية. المقاربات يجب ألا تكون مرتبطة بحسابات تعطّل التفكير بالمشهد العام الذي يمكن أن ينتج من الفراغ الذي ستشهده المؤسسات كلها. والمقصود هو أن الانتخابات النيابية قبل الرئاسية مثلاً ستخلط الملفات وسنكون بلا رئيس جمهورية يكلف رئيس حكومة بعد أن تصبح الحكومة حكماً مستقيلة وفق الدستور وبلارئيس حكومة. تقاطع مصالح بلا تفاهمات نقل عن الرئيس بري توقعه أن تمتد التطورات الايجابية في العراق لجهة تسمية رئيس حكومة إلى لبنان، وأن تتم ترجمة ذلك بانتخابات رئاسية. ألم تكن تلك التوقعات مغالية؟ - لبنان جزء من المنطقة ويتأثّر بشكل مباشر بما يحصل وإذا بنينا على ما حصل في العراق بالتفاهم على رئيس وزراء جديد فهذا الأمر سينعكس بالطبع على الواقع اللبناني. لكن واضح أن ما حصل في العراق كان نتيجة تقاطع مصالح بين القوى المؤثرة في الملف التي شعرت بحاجة ماسّة إلى كسر حال المراوحة والجمود الذي أدّى بتداعياته إلى ما حصل في العراق. تقاطعت المصالح ربما من دون تفاهمات مسبقة على كسر حال الجمود. الرئيس بري ما زال يعتقد أن الوصول إلى نتائج سريعة في تشكيل حكومة مشاركة وطنية واسعة في العراق تفتح الباب أمام تسوية الملف سياسياً لتنطلق منه المعالجة الأمنية بناء على هذا التفاهم الوطني العراقي، بتغطية دولية وإقليمية، سيكون له انعكاس أكيد على الواقع اللبناني. وهذا ما نرجوه. لكن بكل الأحوال الرئيس بري كان واضحاً بأن علينا ألا ننتظر أن يحصل هذا الامر بسرعة كبيرة وهو يعرف تماماً أن ليست هناك تطورات دراماتيكية للوصول إلى نتائج في لبنان وبالتالي ما زال يراهن على أن نكسر حال المراوحة محلياً بإعادة النظر في كل المواقف المرتبطة بالاستحقاقات. هل ستصوّت كتلتكم ضد التمديد للبرلمان؟ وإذا وافقتم عليه فما هي مدة التمديد؟ - موقف الرئيس بري والكتلة واضح. لا مصلحة لأي من الفرقاء اللبنانيين في التمديد لمجلس عطّل نفسه بإرادته، ولم يقم بأدنى الواجبات في التشريع والمراقبة ومواكبة الاستحقاقات الاساسية. من هنا الاصرار على إجراء الانتخابات النيابية. الفرصة على رغم ضيق الوقت ما زالت متاحة للتفاهم على إجراء الانتخابات النيابية بأسرع وقت ممكن. وأساساً الدستور والقوانين تنص على ذلك. لو كان التصويت اليوم بالتأكيد لصوّتنا ضد التمديد بغض النظر عن المدّة. التزام الطائف... والقانون النافذ الانتخابات على أي قانون؟ - قانون الانتخابات الحالي ليس القانون الأفضل. ونجدد المطالبة بإقرار قانون انتخابات يفتح حياتنا السياسية على وقائع أفضل، لكن إذا لم نستطع التفاهم حول قانون انتخابات جديد يعتمد النسبية برأينا مع أوسع دائرة ممكنة، فنحن مع إجراء الانتخابات النيابية على القانون النافذ. اقتراح الخروج من الأزمة عبر تعديلات دستورية منها انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب ما موقفكم منه؟ - هذا أمر يحتاج لدراسة دقيقة دستورياً، ويناقش في دورة عادية للبرلمان تبدأ منتصف تشرين الأول (أكتوبر) المقبل لا في دورة استثنائية. في الحياة السياسية ليس هناك من شيء مقدّس، لكن أي أمر يجب أن يلحظ الوقائع القائمة. اليوم النقاش في تعديلات دستورية أساسية يتطلب مناخاً وفاقياً أفضل ويتطلب توافقات ربما اللحظة السياسية لا تستطيع تأمينها، ومن هنا حرصنا الأكيد على التزام ميثاقنا الوطني باتفاق الطائف وبالدستور. والنقاش في أي تعديلات دستورية بحاجة لمناخ من التفاهمات الداخلية التي يجب أن تسلك حوارات إن كان على مستوى حوار وطني أو حوارات ثنائية. ونحن نتعاطى معها بكثير من الواقعية والانفتاح. إذا تأمّن التوافق على تفعيل المجلس النيابي، هل يتغير موقفكم من التمديد للبرلمان؟ - البعض يصوّره في وسائل الاعلام أنه كذلك. الموقف من التمديد هو موقف مبدئي، لكن تفعيل المجلس بالتأكيد كان سيرخي بظل مختلف على مقاربة هذا الموضوع.