عندما ترصد نتائج الحادث الأخير في سيناء، سواء على المستوى الرسمي أو الإعلامي، تعرف بدقة ما الهدف ومن المستفيد، فقد تضمن أول تصريح إعلامي للمجلس العسكري إشارة الى ان المسلحين أتوا من غزة، من دون دليل، وقبل إجراء تحقيق، واعتماداً على المصادر الإسرائيلية وإغلاق معبر رفح، ثم توجيه التهمة إعلامياً لحركة حماس والفلسطينيين، ثم توجيه النقد للرئيس المصري، واعتبار ان سماحه بفتح المعبر وعلاقاته بحماس مهدا لهذا العمل الإجرامي، كما أن إفراجه عن إسلاميين محبوسين من الثمانينات وخلفيته الإسلامية والإخوانية سيجعلان يده رخوة مع المسلحين ذوي اللحى... كل هذا قيل وتم تداوله. هذا يوضح مدى ذكاء من كانوا وراء هذه العملية، لأنهم أصابوا عصافيرعدة بحجر واحد، فكل هذه النتائج تصب في مصلحة أمن إسرائيل، الأمر الذي يؤكد أن المدبر هو إسرائيل أو عملاؤهم. وتفنيد هذه التهم التي وجهت للفلسطينيين لا تحتاج إلى مجهود كبير، لأنهم هم أول من تضرر من هذا الفعل الإجرامي بإغلاق المعبر وتدمير الأنفاق وإساءة الظن بالأشقاء، فكيف يدمرون مصالحهم بأيديهم! بالطبع قادة حماس ليسوا بهذا الغباء كي يخدموا إسرائيل بأيديهم، وكيف لهم أن يفعلوا ذلك الآن في ظل علاقات جديدة أكثر حميمية من تلك التي كانت أثناء حكم مبارك وحصاره لهم، كان أولى بهم أن يفعلوا ذلك كراهية بمبارك ونظامه أثناء مشاركته في حصارهم، لكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا بل هم ينتظرون بفارغ الصبر انبعاث مصر وخروجها من قمقم التخلف والفقر والفوضى والضعف كي تساعدهم على تحرير أراضيهم، وهذا الذي يُغضب الصهاينة، سواء في إسرائيل أو مصر. أما التهم التي وجهت للرئيس المصري استغلالاًً للحدث، فإن مرسي حينما أفرج عن بعض المعتقلين كان ذلك بتوصية من اللجنة المشكلة من عسكريين وشرطيين وقانونيين وناشطين حقوقيين وسياسيين لبحث حالات المعتقلين، فإذا كان ثمة خطأ، فهو في خبث من وجهوا التهمة لهذا الإجراء الرئاسي الذي لا يعقل أن يكون رد الجميل له هو هذا العمل الإجرامي ممن أفرج عنهم او من أنصارهم، كما يدّعي سدنة الأمن الإسرائيلي. قبل أربع سنوات، رفضت مجموعة مسلحة اجتمعت في مسجد ابن تيمية بالقرب من رفح، اتفاقَ التهدئة بين حماس وفصائل المقاومة وبين اسرائيل، وكانت تريد أن تُدخل القطاع في مذبحة أخرى بيد إسرائيل، وبعد مداولات بين حماس والمجموعة المسلحة التي بدأت بقتل الوسيط في المباحثات، لم تتهاون حماس في حماية أمن القطاع بقتل واعتقال المجموعة المسلحة التي كان ضررها أكثر من نفعها، وكذلك "الإخوان المسلمون" في مصر كانوا يعتبرون ان العمل المسلح ضد الدولة هو ضد الإسلام، وتعطيلٌ للمسيرة، ولم تخف الجماعة معارضتها لاتخاذ العنف وسيلة للتغيير، ولا أعتقد أن مرسي ستكون يده مرتخية مع أي تنظيم مسلح مهما ادعى صلته بالإسلام لأنه يعلم جيداً، كما الشعب المصري، أن الجماعات المسلحة لم تجرّ على الدول إلا الخراب والتدخل الأجنبي وتشويه صور المشروع الإسلامي. أما عن أسباب الحادث، فأغلب التحليلات تتحدث عن انشغال المجلس العسكري بالسيطرة على السلطة والعمل السياسي وزرع الصحاري وعصر الزيتون وتربية المواشي، وكان هذا من أهم أسباب هذا الإهمال الشديد في إحكام السيطرة على الحدود، فضلاً عن إخلاصه الشديد لاتفاقية كامب ديفيد على حساب أمن الوطن وجنوده. أليست هذه من ضمن الفوضى التي هدد بها مبارك واعترف بها عاموس يادلين رئيس المخابرات الإسرائيلي السابق، حين أقر بأنه تمكّن من اختراق كل مفاصل الدولة المصرية، بحيث يستحيل استقرار أي نظام آخر إلا نظام الكنز الإستراتيجي!