عند احتضار الشمس، وبعد إعلان المآذن انتهاء الصلاة، تخرج سميرة العمودي من منزلها متجهة إلى حي «البلد» وسط جدة حاملة عتادها من حافظات للبليلة المعدة مسبقاً في منزلها، والبطاطس المقطعة، لتواجه زبائنها المرجو إقبالهم بعد صلاة العشاء، وتعرض سميرة بضاعتها بناءً على تقديرها بكمية الطلب ، وسط أجواء متحفية برمضان في الحي القديم وسط جدة . وتتشارك سميرة العمودي (39 عاماً) مع أختها التي تصغرها بسنة، عناء البيع والقلي والطبخ في طاولة منحتهما البلدية رخصة العمل في رمضان دون غيره بقيمة إيجار لا تتجاوز ال 500 ريال في الشهر الفضيل، وكان شهر رمضان تجربتها الأولى في هذا العمل لملء الفراغ وكسب المال عن طريق الحلال بحسب قولها. وترى سميرة العمودي التي تعد أشهر بائعة بليلة بالمنطقة التاريخية وسط جدة، أن حي البلد الذي يتوسط عروس البحر في شهر رمضان لا يموت أبداً و لا تفرغ شوارعه من المارة والمتسوقين ، مبينة أن الإقبال ممتاز وأعداد زبائنها في تزايد مضطرد مع مرور أيام شهر رمضان، وأن البلدية ألزمتها ببيع «البليلة» والبطاطس المقلية . وتؤكد سميرة أن عملهن الفعلي يبدأ من بعد صلاة الظهر في تجهيز البليلة وتقطيع البطاطس، وفي وقت المغرب تخرج إلى مقر عملها الموسمي، وتبدأ في عرض ما لديها بعد العشاء ، وتنتهي غالب الأيام عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل. وتقول سميرة «العمل الموسمي في رمضان مردوده جيد جداً نظراً لكثرة المرتادين للأسواق، وإنها تبحث عن الأجواء الروحانية في المنطقة التاريخية (وسط جدة) قبل بحثها عن الكسب المادي». وترفض سميرة البوح بالعائد المادي الذي يتوافر لها جراء العمل في بيع البليلة خلال شهر رمضان المبارك، مكتفية بالقول «ليس شأنك». وتعد منطقة البلد في وسط جدة الصورة الأرشيفية لتراث إنساني عريق، ويحرص كثير من أهالي جدة للذهاب في تلك المنطقة للإفطار أو التسوق أو حتى الجلسات الشبابية إيماناً منهم أن هذه المنطقة تختزل شيئاً كثيراً من عبق الماضي، وحداثة الحاضر، فتفرش الساحات بألعاب الأطفال الموقتة و «بسطات» الكبدة والبليلة، ولا تكاد ترى فراغاً بتلك المنطقة من حشود العاشقين لكلاسيكية بنيانها والمتسوقين من أسواقها التي توفر غالبية الحاجات.