عاودت أسعار النفط الارتفاع فاقتربت من نحو 110 دولارات لبرميل نفط برنت، بعدما انخفضت عن المستوى المنشود من قبل العديد من الدول المنتجة وهو 100 دولار. وتذبذبت الأسعار في فترة حرجة اقتصادياً وسياسياً. فمن ناحية، لا يزال الاقتصاد العالمي يعاني أزمة منطقة اليورو ووهن الاقتصاد الأميركي، ما أثار شكوكاً في الأسواق العالمية حول نسبة الزيادة المقبلة في الطلب العالمي على النفط. لكن الأسواق بقيت تراقب بحذر، سلامة الإمدادات النفطية من الشرق الأوسط، خصوصاً في حال تصاعدت الأزمة الغربية - الإيرانية وانعكاسات الثورة السورية إقليمياً ما دفع بزيادة الأسعار. واستعادت سلة «أوبك» معدلها السعري خلال تموز (يوليو) بعد ثلاثة أشهر متتالية من الانخفاض لتستقر عند نحو 100 دولار للبرميل، بزيادة ستة في المئة تقريباً عن حزيران (يونيو). واستمر سعر السلة في الارتفاع خلال الأسبوع الأول من آب (أغسطس) ليصل إلى نحو 108 دولارات، بحسب التقرير الشهري ل «أوبك» الأسبوع الماضي. أما معدل سعر نفط «برنت»، فتراوح خلال الأسبوع الأول من آب ما بين 110 و112 دولاراً للبرميل، مقارنة بنحو 88 دولاراً في 22 حزيران الماضي. يسجل ازدياد الأسعار نهجاً غريباً في ظل انحسار اقتصادي عالمي. فتوقعات معدل النمو الاقتصادي العالمي متواضعة، إذ لا تزال تتراوح حول 3.3 في المئة لعام 2012 و3.2 في المئة لعام 2013. وتشير توقعات النمو للولايات المتحدة إلى ارتفاع بنحو 2.2 في المئة لعام 2012 ونحو اثنين في المئة لعام 2013. ويستمر الاقتصاد الياباني أمام تحديات تحد من توقعات معدلات النمو إلى نحو 2.5 في المئة لعام 2012 ونحو 1.2 في المئة لعام 2013. إلا أن التحدي الأكبر هو في منطقة اليورو، حيث أخفق الاتحاد الأوروبي حتى الآن في مساعدة دوله الأعضاء في معالجة ديونها السيادية في الوقت المناسب وبالسرعة اللازمة، ما دفع إلى توقع انكماش لعام 2012 عند نحو 0.4 في المئة، ونمو بسيط لعام 2013 بنحو 0.1 في المئة. لكن على رغم معدلات النمو المنخفضة هذه في أهم أسواق استهلاك النفط العالمية، يشير تقرير «أوبك» إلى أن الطلب على النفط تخطى هذه الحال السلبية وتحول إلى حال من الاستقرار، مدعوماً بزيادة استهلاك الوقود خلال الصيف نتيجة ارتفاع معدل قيادة السيارات خلال هذا الفصل سنوياً، وكذلك الارتفاع العالي في حرارة الطقس عالمياً، واستمرار إغلاق المحطات النووية اليابانية لتوليد الكهرباء، بالإضافة إلى قلق الأسواق من الاضطرابات السياسية في دول الشرق الأوسط، وانخفاض الإمدادات من بحر الشمال إما بسبب الإضرابات العمالية أو برامج الصيانة الدورية في المنصات البحرية. وتوقعت «أوبك» ارتفاع معدل الطلب العالمي على النفط بنحو 900 ألف برميل يومياً خلال 2012، ونحو 800 ألف برميل يومياً خلال 2013، مع احتمال انخفاض معدل 2013. ويتوقَّع أن يرتفع إنتاج النفط الخام من الدول غير الأعضاء في «أوبك» بنحو 700 ألف برميل يومياً في 2012، خصوصاً من الولاياتالمتحدة. وكذلك الأمر خلال عام 2013 إذ تتوقَّع زيادة إنتاج النفط الخام من خارج الدول الأعضاء في «أوبك» بنحو 900 ألف برميل يومياً، خصوصاً من الولاياتالمتحدة أيضاً، بالإضافة إلى دول أخرى مثل كازاخستان. وثمة سؤال يطرَح: لماذا ارتفاع الأسعار في حال تحقيق معدلات نمو اقتصادية عالمية متواضعة جداً، ما يعني انخفاض معدلات الطلب على النفط؟ السبب الرئيس هو النمو الاقتصادي المستدام في اقتصادات الدول الناشئة والذي أخذ يلعب دوراً أساسياً في زيادة الطلب العالمي على النفط. فالدول الناشئة شكلت 42 في المئة فقط من نمو الاقتصاد العالمي في بداية العقد الماضي، مقارنة بنحو 76 في المئة هذه السنة، ومعروف أن حصة كل من الصين والهند تشكل النسبة الأكبر في هذه النسبة. ويتوقَّع ارتفاع معدل النمو الاقتصادي الصيني بنحو 8.1 في المئة عام 2012 ونحو ثمانية في المئة عام 2013. أما توقعات النمو الاقتصادي في الهند فهي نحو 6.4 في المئة لعام 2012 ونحو 6.6 في المئة لعام 2013. وتشير معلومات «أوبك» إلى أن التحسن في اقتصادات الدول الناشئة في آسيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط كان العامل الأساسي في ازدياد الطلب على النفط منذ 2000، إذ ارتفع الطلب على النفط خلال السنوات ال 12 الماضية نحو 15 مليون برميل يومياً، وهذه نسبة عالية جداً (نحو 50 في المئة) من إنتاج الدول الأعضاء في «أوبك»، والذي يبلغ حالياً نحو 30 مليون برميل يومياً. وضاعفت من استهلاكها للنفط الخام منذ 2000، بينما انخفض الطلب على النفط في الدول الصناعية نحو أربعة ملايين برميل يومياً منذ 2005 نتيجة الضرائب المحلية المفروضة على المنتجات البترولية. ويبلغ سعر النفط المعتمد في موازنات الدول المنتجة لعام 2012 نحو 90 دولاراً للبرميل، ويتوقَّع ارتفاع هذا السعر خلال السنة المقبلة. إلا أن وزارة المال النيجيرية أعلنت الأسبوع الماضي أن سعر النفط الذي اعتمدته لموازنة عام 2013 هو 75 دولاراً من دون أن تقدم المعطيات الكافية وراء هذا الافتراض. وإذا صح الافتراض النيجيري، سيعني صعوبات جمة للدول المنتجة المنهكة موازناتها بنفقات متزايدة، خصوصاً تضخم كلفة الرواتب والدعم والنفقات غير الملحوظة في الموازنات. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية