أمين القصيم يفتتح ورشة العمل التشاورية    ولي العهد يعزي ملك المغرب هاتفياً    تركي بن محمد بن فهد يُدشن المبنى الرئيسي لهيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية    الأداء الشهري للمؤشر الخليجي حقق أول مكاسبه في يونيو.. بعد تراجع ثلاثة أشهر    مغامرات لعبة "ماجك"، و"ميني بمپر كارز".. «مدينة الصين».. وجهة سياحية في «سيتي ووك»    ورشة عمل.. «لمشروع رفع الحيازات الزراعية.. بجازان    60 سنة هجرية شرط الحصول على «معاش التقاعد»    205 منتجات وطنية في قائمة المحتوى المحلي    عقود جديدة في «جازان للصناعات الأساسية»    الظل الوارف    انتشار الجرب والجدري في المخيمات    ولي العهد يستعرض مع بوكر العلاقات السعودية - الأميركية    خبراء أمميون يدينون غياب العدالة في الضفة الغربية    القادسية يعلن رحيل العابد والزوري    الأمير فيصل بن فرحان يبحث تعزيز العلاقات مع إستونيا    وزير الرياضة يبارك للبطل السعودي"آل حزام" التأهل لأولمبياد باريس    في الجولة الأولى من البطولة العربية .. أخضر الطائرة يتغلب على الكويت    رئيس الخلود يشكر القيادة على إدراج النادي في مشروع الاستثمار والتخصيص    الإيطالي بيولي مدرباً للاتحاد لثلاثة مواسم    تستضيفه السعودية لمدة 8 أسابيع.. كأس العالم للرياضات الإلكترونية.. تجربة غير مسبوقة    توزيع 28 طناً من لحوم الأضاحي على 2552 أسرة في الشرقية    حفظ أكثر من 800 ألف كيلو من فائض الطعام في موسم الحج    «بر الرياض» تحتفل بنجاح أبناء المستفيدين.. وتكريم خاص لخريجي الثانوية    جامعة الملك خالد تستحدث برامج ماجستير وتعتمد التقويم الجامعي لعام 1446    أمير الشرقية يدشن مقر" البركة الخيرية"    ولي العهد يترأس مجلس الوزراء ويعرب عن تقديره للأعمال المميزة خلال الحج.. الموافقة على نظام التأمينات الاجتماعية الجديد للملتحقين الجدد بالعمل    الخيمة النجرانية.. تاريخ الأصالة والبادية    أمانة تبوك تواصل أعمالها الصحية في معالجة آفات الصحة العامة    الاحتفاء بالعقول    جامعة الأميرة نورة تستقبل طلبات مسابقة اللغة العربة    هندسة الأنسجة ورؤية 2030: نحو مستقبل صحي مستدام    150 دقيقة أسبوعياً كافية لمواجهة «التهديد الصامت»    الحجاج يجولون في المعالم التاريخية بالمدينة المنورة قبل المغادرة لأوطانهم    فيصل بن فرحان يتلقى اتصالاً هاتفياً من وزير خارجية أمريكا    المفتي العام يستقبل مسؤولين في الطائف ويثني على جمعية «إحسان» للأيتام    "الشورى" يطالب بتطوير معايير العلامات التجارية    فنون الأجداد بروح الشباب    ولي العهد يستعرض مع السيناتور الأمريكي كوري بوكر أوجه التعاون    %59.88 من مشتركي التأمينات تشملهم التعديلات الجديدة    ماكرون يحضّ نتانياهو على «منع اشتعال» جبهة لبنان    «البيت الأبيض»: الرئيس بايدن ماضٍ في حملته الانتخابية    الربيعة يتفقد برامج إغاثة متضرري الزلزال في سوريا وتركيا    عروض شعبية ببيت حائل    بن مشيبه متحدثاً لوزارة الحرس الوطني‬⁩    «حرس الحدود» بعسير يحبط تهريب 15 كيلوغراماً من الحشيش    ضيوف الرحمن يغادرون المدينة المنورة إلى أوطانهم    الوفاء .. نبل وأخلاق وأثر يبقى    الدكتور السبتي ينوه بدعم القيادة غير المحدود لقطاع التعليم والتدريب في المملكة    تحسن قوي بالأنشطة غير النفطية في يونيو    محلي البكيرية يناقش الأمن الغذائي للمنتجات الزراعية وإيجاد عيادات طبية    تجسيداً لنهج الأبواب المفتوحة.. أمراء المناطق يتلمسون هموم المواطنين    وصول التوأم السيامي البوركيني الرياض    أمير الشرقية: مشروعات نوعية ستشهدها المنطقة خلال السنوات المقبلة    هنّأ رئيس موريتانيا وحاكم كومنولث أستراليا.. خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    تأثير التكنولوجيا ودورها في المجتمع الحديث    الحج .. يُسر و طمأنينة وجهود موفقة    "التخصصي" يجري 5000 عملية زراعة كلى ناجحة    أمير القصيم يكرّم عدداً من الكوادر بالشؤون الصحية في المنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القتل في سورية إذ يتفوّق على القتل الإسرائيليّ للعرب
نشر في الحياة يوم 12 - 08 - 2012

تكثر في المناقشات السائدة الشعارات والادّعاءات والأيديولوجيات على حساب الإحصاءات والمعلومات والمعطيات، إذ يتم التعامل مع القضايا بالجملة ومن دون التفاصيل، وبالعمومية ومن دون البحث في الخصوصيات، وبيقينية من دون محاكمات عقلية، وحسابات للكلفة والمردود!
يمكن إحالة ذلك على عوامل عدة، منها أن النظم السائدة غيّبت المعلومة وأخفت الإحصائية، لاعتبارها إياهما شأناً من شؤون «الأمن القومي»، وأمراً يخصّ الحاكم، ولا علاقة للعوام به. كما تُمكن إحالته على غلبة «البطركية» السياسية، والإنشاءات الخطابية، والعقائد الأيديولوجية، في عمل التيارات والكيانات السياسية، وأيضاً إلى سيادة الروح العاطفية، والعصبية، على حساب العقلانية والعلمية والموضوعية.
هكذا باتت تُستقبل الإحصائية بنوع من الصدمة، فتبدو لبعضهم بمثابة اكتشاف مدهش، ينبغي الاحتفاء به، بينما تبدو لآخرين بمثابة خرق للمحرمات والممنوعات، قد يبعث كشفها على الإحباط، أو قد يكشف فضائح لا داعي لها.
وبديهي أن يصبح الأمر بالغ الخطورة، ويثير التشكك والريبة، عند بعضهم، إذا كانت تلك الإحصاءات تخص مقارنة أحوالنا بالعدو التاريخي اللدود إسرائيل، حتى لو ذكر ألف مرة أنها مجرد دولة مصطنعة وغير شرعية واستعمارية وعنصرية ومجرمة.
ففي هذا الإطار ثمة من يعتبر أن ثمة نقيصة، أو إهانة ما، في مجرد التجرؤ على عقد مقارنة كهذه، وهو اعتبار يصدر عن عقلية تعصبية وإنكارية، تدّعي تفوقاً أخلاقياً ما، وتعتقد بأن تجاهل ميزات إسرائيل يحطّ من قدرها، ويقلل من أهمية نقاط تفوقها الواقعية. ومشكلة هذه العقلية تجاهلها أن أبجديات الصراع مع إسرائيل تفترض ملاحظة نقاط قوتها والتعامل معها على هذا الأساس، وأن المسؤولية السياسية والأخلاقية في الفجوة الحاصلة مع الدولة العبرية إنما تقع على عاتق الأنظمة ذاتها.
مثلاً، تبين إحصائية «قاعدة بيانات شهداء الثورة السورية» أن 22 ألفاً من السوريين قتلوا في 17 شهراً (موثقين بالأسماء وبالأماكن وبالتواريخ في كل يوم)، وأن عددهم في الشهر الماضي وحده، تموز (يوليو)، بلغ 3634 شهيداً، وهو أعلى معدل لعدد الشهداء منذ بداية الحراك السوري.
والحال، إن هذه الإحصائية مثيرة للاهتمام، بكل المقاييس من ناحية العدد، ومن ناحية شكل القتل، ومن ناحية هوية القاتل، لكنها تثير الاهتمام، أيضاً، من ناحية مقاربتها لمجمل عدد القتلى الإسرائيليين ال 21500، الذين قتلوا، منذ قيام دولة إسرائيل. مع ذلك، فإن تشابه العدد لا يطمس الفارق، ذلك أن قتلى إسرائيل هؤلاء قتلوا في الحروب العربية - الإسرائيلية (1948-2012)، وفي عمليات المقاومة (الفلسطينية واللبنانية) وفي الانتفاضتين الأولى والثانية، أي على امتداد 64 سنة، وليس بمجرد سنة ونصف سنة تقريباً، كما حصل بالنسبة إلى الضحايا السوريين.
أيضاً، ثمة فارق نوعي ثانٍ، وهو أن إسرائيل لا تقتل شعبها، وإنما على العكس، فهي ضنينة بكل نقطة دم يهودي حتى لو كان في بلاد الواق واق، وهي حريصة على حياة اليهود، سواء كانوا من مواطنيها أم من مواطني أي دولة في العالم.
والفارق الثالث أن النظام السوري الذي منع المقاومة من حدوده الجنوبية منذ 1973، لم يطلق رصاصة واحدة من الجولان منذ أربعة عقود، لتحرير ارضه، أمعن في قتل شعبه وفي تدمير مدنه وتبديد مقدراته، وبلا أي حدود.
والفارق الرابع، أن إسرائيل هذه لم تقتل من العرب (وضمنهم الفلسطينيون) كل هذا العدد. وعلى سبيل المثال، ففي الانتفاضة الأولى، التي استمرت ست سنوات (1987- 1993) سقط 1600 من الفلسطينيين، بمعدل 275 في السنة. وفي الانتفاضة الثانية التي تخللتها عمليات مقاومة مسلحة، لا سيما وفق نمط العمليات التفجيرية، واستمرت خمس سنوات (2000 2004) لقي 5000 فلسطيني مصرعهم، بمعدل ألف في السنة. وطبعاً، هذه الإحصائيات لا تقلل من جرائم إسرائيل، ووحشيتها، لكنها تفضح في المقابل واقع النظام الاستبدادي السوري، الذي يستبيح شعبه من دون أي رادع، وبطريقة مروعة.
المشكلة أن مقارنات كهذه تثير حساسية بعضهم بدلاً من أن تثير عنده الأسئلة عن مغازيها، كما أن هذا البعض في غمرة انشغاله بالإحصائية يتجاوز المعنى الأكثر إيلاماً لها، وهو أن إسرائيل لم تقتل أحداً من شعبها، وإنما قتلت ممن تعتبرهم أعداءها، في حين أن النظام السوري لم يقتل من أعدائه، لكنه حرك أجهزته الأمنية وقواته العسكرية التي من المفترض أنها بنيت لدحر الاحتلال ومواجهة إسرائيل، في مواجهة شعبه، وهذا فارق في غاية الأهمية.
لذلك، فإن المشكلة من الناحية الأخلاقية لا تكمن في طرح هذه الإحصائيات لأن الواقع المعاش اشد إيلاماً بكثير، وأكبر صدمة بكثير، من مجرد ذكر أرقام على الورق. بل إن ذكر هذه الإحصاءات يفيد في كشف حال المخاتلة والتلاعب والتوظيف للقضية الفلسطينية ولقضية المقاومة، من جانب النظام السوري الذي لا يهمه شيء اكثر مما يهمه البقاء في سدة السلطة.
لا شيء يبرر قتل كل هذا العدد من الناس، لا المقاومة، ولا أية قضية أخرى، مهما كانت نبيلة. فالقضايا النبيلة لا تفترض محو الشعب ولا مصادرة حريته ولا امتهانه، ولا قتله بالتأكيد. حتى في معيار المقاومة، سورية لم تفعل شيئاً على هذا الصعيد، حيث لم تطلق طلقة من الجولان، منذ 1973. أما بالنسبة إلى المقاومة اللبنانية، وهي مختصرة في «حزب الله»، فإن جميع القتلى الإسرائيليين الذين سقطوا في عمليات المقاومة اللبنانية (في الفترة 1983 2000) بلغ حوالى 860 إسرائيلياً، في 17 سنة، أي بمعدل 45 في السنة، فهل قضية المقاومة تستأهل كل هذا القتل للسوريين؟
قصارى القول، إن الفضيحة ليست في الإحصاءات وإنما في السياسات، وليست على الورق وإنما في ما يجري في الواقع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.