في الاسبوع الماضي كشف حدثان عن خاصرة «العراق الجديد» الضعيفة، بل عورته المتمثلة بمقتله الذي ما انفك يتسع شكوكاً ومخاوف وانقسامات تجعل الحديث عن عراقيين يجمعهم انشغال انساني ووطني واحد اشبه بالنكتة ثقيلة الدم. ففي التاسع والعشرين من تموز (يوليو) الماضي وصف النائب احمد العلواني عن محافظة الانبار قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني ب «العدو» وزعيم «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله ب«الكذاب». وجاء وصف النائب عن «العراقية، للمسؤولين الايراني واللبناني ضمن برنامج تعرضه فضائية «الرشيد» العراقية، وفي فقرة تعرض فيها صور عدد من الشخصيات للتعليق عليها من قبل ضيوف البرنامج وكان بينهم العلواني. وفي الصباح التالي انتظم النواب والسياسيون من «التحالف الوطني» ضمن حملة واسعة احتجاجاً على «تجاوز طاول رمزاً من رموز المقاومة العربية والاسلامية كالسيد نصر الله»، كونه «امراً غير مقبول ولا يمكن السكوت عليه لانه يبعث على الطائفية والتفرقة»، مشددين على ان «تصريحات غير مسؤولة وغير محسوبة كهذه، يجب ان يتم وضع حد لها وعدم السكوت عليها بأي شكل كون انها تمس رمزاً وطنياً في لبنان وخارجه واي تجاوز عليه هو تجاوز على المقاومة الاسلامية والعربية برمتها». في الصباح ذاته التأم مجلس النواب العراقي ليتحول النقاش جولة اخرى من الصراع الطائفي وان اخذ شكلاً «ديموقراطيا»، ولتغدو الصورة اوضح: النواب الشيعة يتقدمهم رئيس «التحالف الوطني»، ورئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري ينهالون على العلواني «السني» تقريعاً واحتجاجاً يقارب التهديد، عنوانه المعلن «الانتصار لنصر الله» وسببه الخفي «الثأر لقاسم سليماني الموسوم بالعدو» كما في تعليق العلواني، وهو توصيف كان رسخه النظام السابق لايران الثورة الاسلامية، التي يحرص موالوها من حكام العراق على توصيفها ب «الجارة العزيزة»، واعترافاً بفضل سليماني «مهندس التحالف الوطني واختيار المالكي رئيساً للحكومة» كما يقر بذلك نواب وسياسيون حتى من موالي ايران «العزيزة»، وكما سماه نائب تحدثت اليه «الحياة» ورفض الكشف عن هويته: «ملك العراق غير المتوج» في اشارة الى مسؤوليته المطلقة في ادارة الملف العراقي منذ سنوات. امام البرلمان دعا رئيس «التحالف الوطني» ابراهيم الجعفري، النائب عن «العراقية» احمد العلواني، للاعتذار لوصفه الامين العام ل «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله «بالكذاب»، مشدداً على «رفض الانجرار الى معارك شيعية - سنية»، فيما كان حديثه ثم حديث مضاد من رئيس كتلة «العراقية» التي باتت ممثلة للقوى السنية، سلمان الجميلي، تجسيداً لمعركة «شيعية-سنية» وان كانت تحت قبة البرلمان. الجعفري قال ان «من ينظر إلى المسرح المعاصر يجد أن السيد حسن نصر الله نجم لامع في سماء المقاومة، وقد مثل صفحة رائعة مشرّفة طرّزها من خلال مواقفه الميدانية في جنوب لبنان»، مضيفاً «بلغني يوم أمس أن أحد الإخوة من قائمة العراقية وصفه بكلمة يعزّ عليّ وأربأ بنفسي أن أطلقها على أعدى أعدائي، فكيف بإنسان محترم مقاوم تميّز بالصدق والصدقية». وشدد الجعفري المعروف عنه حرصه على «البلاغة» في خطبه: «وإذا فاتت الهفوة للنائب وخانته الشجاعة أن يقول ذلك فأرجو أن لا تخونه الشجاعة من الاعتذار، وأن يطلق كلمة الاعتذار في الفضاء الذي أطلق فيه كلمة الإساءة، لان الشجاع لا يسيء في العلن ويعتذر في الخفاء، إنما الشجاع هو الذي لا يخطئ بحق أحد، وإذا صادفه الخطأ يكرّر الاعتذار، وبأكثر من مكان حتى يبرهن أنه في ميدان نفسه أشجع مما يكون في الميادين الأخرى». وأضاف الجعفري: «نحن في أمسّ الحاجة لوحدة الصف والمضي بمشروع الإصلاح وفتح الملفات العالقة لإنجازها، وأن نجَرَّ إلى معارك جانبية سنية - شيعية وما شاكل ذلك فهذا مرفوض رفضاً قاطعاً». الجميلي رد موجهاً خطابه للجعفري «اذا كان الامر متعلقاً بالاساءة الى رمز وطني واسلامي مثل السيد حسن نصر الله، فلماذا سكوتكم على الاساءة المعلنة وهنا في البرلمان الى رمز وطني واسلامي من قبل نائب وشخصية مقربة من رئيس الوزراء» في اشارة الى تصريحات للنائب سامي العسكري حمل فيه بقوة على الشيخ يوسف القرضاوي واخرى من سياسيين (شيعة) تطاول عادة زعيم «هيئة علماء المسلمين» (السنية) حارث الضاري. في اليوم التالي كشف النائب عن ائتلاف «العراقية» احمد العلواني، عن تعرضه الى تهديدات من اطراف عدة بسبب انتقاده الأمين العام ل «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله، وطالب الحكومة العراقية بتوفير الحماية له من تلك التهديدات. وقال العلواني في بيان صحافي: «طرق مسامعنا ان هناك جهات استفزها تصريح لنا، يمثل رأينا الشخصي فراحوا يطلقون التهديد والوعيد، بأمر من اطراف خارجية لها اجندة معلومة داخل البلد وباتجاه معلوم «في اشارة الى ايران لا سيما انها الحليف القوي لحسن نصر الله فضلاً عن كون العلواني كان وصف قائد فيلق القدس والمسؤول عن الملف العراقي في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني ب «العدو» في البرنامج التلفزيوني ذاته الذي وصف فيه نصر الله ب «الكذاب». وحول تلك الحملة المحرضة عليه قال العلواني «هذا الموقف غير المتحضر، يمثل كيلاً بمكيالين، فبالامس القريب ظهرت علينا شخصية نيابية، تعرضت الى رمز ديني معروف لدى العالم امام مرأى ومسمع الجميع، لكننا لم نر او نسمع من تعرض لها ولو بكلمة واحدة». في اشارة الى شخصيات دينية سنية عادة ما يشتمها رجال دين وسياسيون عراقيون شيعة. اللافت في هذا السجال، هو ما تنبه اليه صحافي اميركي مهتم بالشأن العراقي والشرق الأوسطي، اتصل بكاتب السطور متسائلاً: «ما معنى ان يدافع عراقيون شيعة عن لبناني (حسن نصر الله) وايراني (قاسم سليماني) على حساب ابن وطنهم النائب السني العراقي»؟، والسؤال هو في جوهره «عورة» البلاد الحالية التي شكلها حكام بلاد الصحافي الذين هندسوا العراق بوصفها «دولة المكونات الطائفية والقومية»! اوغلو «العثماني»: هجوم شيعي واستغراب سني في كل ازمة عراقية تشهدها البلاد، تنكشف عورة «العراق الجديد»، فمع استمرار الازمة السورية ينقسم العراقيون وتحديداً العرب منهم: الشيعة مع الاسد والسنة مع المعارضة، ويتبادل الطرفان الاتهامات حتى بين الاوساط المتعلمة منهما: الشيعة يعتبرون المعارضين لدمشق ارهابيين تكفيريين، والسنة يردون بأن الاسد «ديكتاتور مجرم وقاتل»، وبالتالي فان الوصفين يشملان القوى المتحالفة مع اي من طرفي الصراع في سورية. ومن هنا تكون تركيا «العثمانية» كما يصفها معسكر رئيس الوزراء نوري المالكي والشيعي على الاغلب، «مؤيدة للارهاب»، وهو ما كشفته زيارة وزير الخارجية احمد داوود اوغلو الى اربيل الاربعاء الماضي وفاقمته اكثر زيارته في اليوم التالي الى كركوك المتنازع عليها بين اربيل وبغداد، وصار الهجوم «الشيعي» على زيارة اوغلو مزدوج الهدف: النيل من انقرة «العثمانية» ومن اربيل «الانفصالية». وفيما شن نواب من ائتلاف «التحالف الوطني» الذي يضم «القوى الشيعية» هجوماً كاسحاً على الزيارة، رد نواب من «العراقية» التي تضم «القوى السنية» بما يشبه الدفاع عن الزيارة او تبريرها، حين عبرت عن استغرابها من «موقف الحكومة المتشنج» بشأن زيارة وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو الى كركوك. وقال رئيس الكتلة البرلمانية للعراقية سلمان الجميلي «اننا نستغرب الموقف المتشنج من قبل الحكومة العراقية تجاه زيارة داود اغلو الى كركوك في الوقت الذي تعلم بوجود هذه الزيارة». وأضاف: «كما اننا نستغرب الازدواجية التي تتعامل معها الحكومة تجاه زيارات بعض مسؤولي دول معينة والسماح لهم بالتجوال في مدن ومحافظات عراقية وبعضها تكون سرية بينما لا تسمح لدول اخرى مثل تركيا بهذا الامر بل تطلق تصريحات ومواقف متشنجة تجاهه» والاشارة هنا الى زيارات مسؤولي ايران «الشيعية» الى بغداد ومدن عراقية اخرى وهي دائماً ما تكون سرية ولا يعلم بها احد. الانقسام «الطائفي» الذي اثارته زيارة اوغلو لم يكن سياسياً وشعبوياً وحسب، بل ثقافياً، حين تنادى الى الحملة على «العثمانيين الطائفيين الجدد» كتاب ومثقفون وصحافيون شيعة عادة ما يستأثرون بمواقع بارزة في الاعلام الحكومي (فضائية «العراقية» وجريدة «الصباح») فضلاً عن فضائيات الاحزاب الطائفية، فكتبوا مقالات واداروا برامج حوارية ونظموا لقاءات تنتظم جميعاً في الهجوم على اوغلو عبر بوابة زيارته، حتى وان كان الوزير التركي قام بها عبر تأشيرة دخول حصل عليها من السفارة العراقية في انقرة. الزيارة اضفت «تنويعاً» على حال الانقسام الطائفي العراقي، هو «القومي»، فالتركمان الذين يصرون على انهم عراقيون ولا علاقة لهم بالاصول التركية، استقبلوا اوغلو في مبنى «الجبهة التركمانية» بحفاوة لافتة وهتافات عالية بالتركية، فبدوا في ذلك اقرب الى الكرد الذين احتضنوا الزيارة وشكلوا مدخلها الواسع، فيما كانوا قبلها اقرب الى الخلاف مع منافسيهم التاريخيين على المدينة المتنازع عليها.