ماذا فعل النظام السوري بالطوائف السورية حتى جعل الكره والقطيعة أساس العلاقات بينها؟ لقد لحق التشويه بهذه الطائفة عبر المسّ بخصوصيتها الفكرية والأخلاقية، ناهيك عن الدينية. وليس صدفة أن يتم تعيين الضباط العسكريين والأمنيين في الأماكن الحساسة في الدولة منها، وليس صدفة أن يتم اختزال الطائفة كلها بمجموعة مرتهنة لمصالحها الشخصية تنوب بسلوكها المشؤوم عن الطائفة العريقة، وعن فلسفتها وتلاوينها، ناهيك عن إرادتها في العيش ضمن التنوع السوري التاريخي كأي تكوين اجتماعي له خصوصيته. انتقل أفراد الطائفة من الريف إلى العاصمة وباقي المحافظات في سلسلة لا نهائية لعملية هجرة طويلة وقاسية بدأت مع ظهور السمة الطائفية للنظام. كانت تلك العملية تجرى بحكم حاجة الطائفة الى العمل والتخلص من الفقر والعوز، وبحكم رغبة داخلية في التشابه مع الآخرين، وتم توزيعهم بعناية فائقة في الأماكن الحساسة وغير الحساسة بما يتناسب مع مصلحة السلطة في إيجاد معادلات للتكوينات الأخرى. وخرج البعض من شيوخ الطائفة معترضين بشدة على ذلك لما له من أثر سلبي على وجود الطائفة ضمن التكوين الاجتماعي السوري. وتنبه النظام إلى مخاطر وجود معارضة دينية من قلب الطائفة، فتم تفريغها من زعمائها الدينيين عبر عملية تصفية روحية طويلة ومعقدة سيطر فيها الموالون للسلطة على زمام المبادرة. وتفريغ الطائفة من رجالاتها كان الخطوة الأهم لتسلّم رهط كبير من المشايخ ذوي النزعة السلطوية والذين دأبوا على عملية بناء جيل جديد من العلويين الأحاديي النزعة والنظرة والانتماء. لقد كان كل رجل أمن متقاعد أو ضابط أو صف ضابط مشروع شيخ علوي إذا توافق نسبه السلالي مع متطلبات المشيخة في الطائفة، وهو ما ساهم في خلق مرجعية أمنية للطائفة. وظهرت شريحة واسعة من العلويين العاملين بالشأنين الاجتماعي والاقتصادي والذين يعتبرون الطائفة تكويناً اجتماعياً أفقياً وليس فوقياً، فرفضوا السياسة الطائفية تلك وتعرضوا للتسفيه والاعتقال. وفرز النشاط السياسي المعارض للنظام معارضة سياسية ضمت في صفوفها قيادة وقواعد وكوادر علويين تعرضوا للاعتقال والتعذيب والسجن فترات طويلة. وهؤلاء عانوا في ما بعد مأساتين: رفض الطوائف الأخرى لهم كونهم علويين، ورفض طائفتهم لهم بحكم معارضتهم للنظام. وكان لقلق النظام الدائم من ردود فعل الطوائف الأخرى أن دفعه للتفكير بإيجاد حام موثوق ودائم، وهو جيش بعقيدة مختلفة عمادها الدفاع عن النظام تحت غمامة الدفاع عن الوطن، فاعتمد عمليات تجييش منظمة في صفوف الطائفة العلوية للحاصلين على الشهادة الثانوية كضباط، أو لفاشلي الطائفة دراسياً، قي أجهزة السلطة الأمنية وفق معايير الأمن ذاته وشروطه، أو في صفوف الجيش كجنود لمن كان أقل حظاً وحظوةً. ولم تكن خطوات النظام مقتصرة على طائفته وإنما حاول شراء الأقليات الدينية والقومية كل وفق ظروفه ورجالات دينه أو مخبريه، إلى جانب محاولات شراء الطائفة السنية عبر عمليات طويلة ومعقدة، لكن عامل الثقة كان معيار تعامله مع طائفته بخاصة في مجالي الأمن والجيش. ... في سورية الآن ثورة يقمعها النظام، وسورية الآن بين كتلة الرصاص وكمية الدم. فهل ينجح الشعب السوري بثورته، ويعيد تفصيل سورية على مقاس تكويناته جميعها، أم يسير ويسيّرنا جميعاً في متاهات الصراع؟ * كاتب سوري