حصدت إيران في العقد الماضي مجموعة من الميداليات الذهبية وغالباً من دون المشاركة في المباريات. حصدت الأولى لدى وقوع هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، والتي أطلقت الحرب بين «الشيطان الأكبر» و «القاعدة». جاءتها الثانية حين اقتلعت القوات الأميركية نظام «طالبان» الذي لم يخف عداءه للنظام الإيراني. فازت بالثالثة حين اقتلعت القوات الأميركية نظام صدام حسين الذي أرغم إيران على إبقاء جمر ثورتها داخل أراضيها. انتزعت ميدالية ذهبية رابعة عبر «حرب تموز» في لبنان في 2006. بدت الأيام وردية للبرنامج الإيراني الكبير. زار أحمدي نجاد بغداد على رغم انتشار الجنود الأميركيين فيها وبدا واثقاً أنهم يتحينون الفرصة للمغادرة. زار أيضاً دمشق وعبرت صورته مع بشار الأسد وحسن نصرالله عن رسوخ هلال الممانعة. لم يضع فرصة زيارة بيروتوجنوب لبنان مذكراً دول المنطقة والعالم بأن بلاده باتت تغسل صواريخها بمياه المتوسط. حصدت إيران الذهبيات وراحت تحث الخطى على طريق برنامجها الكبير: القنبلة أو امتلاك القدرة على إنتاجها والدور الكبير القادر على تهديد أمن النفط وأمن إسرائيل معاً. لدى اندلاع الربيع العربي حاولت إيران الإيحاء بصلة قربى معه. ابتهجت بسقوط أصدقاء الغرب. وحين انفجر الربيع على أرض سورية وقعت في فخ مكلف. لا تستطيع الاستقالة من حلفها العميق والوثيق مع النظام السوري. لا الحياد وارد ولا الابتعاد ممكن. سورية ليست مجرد ممر للاتصال ب «حزب الله» في لبنان. إنها أكثر من ذلك بكثير. العلاقة مع سورية هي أهم نجاح لثورة الخميني منذ انطلاقها. الحضور في دمشق يعني الحضور في بيروتوجنوب لبنان وكذلك في النزاع العربي - الإسرائيلي والملف الفلسطيني. الحضور في دمشق يمنع قيام أي طوق عربي جدي لوقف التدفق الإيراني في الإقليم. لا تستطيع إيران التسليم بخسارة سورية. خسارة سورية تشكل ضربة قاسية لهالة «حزب الله» وترسانته وأوراقه وثقله في الإقليم وقدرته على الهجوم والدفاع معاً. خسارة سورية تعني خسارة إيران امتدادها الفلسطيني خصوصاً بعد رحيل خالد مشعل من دمشق. خسارة سورية تقوي بالضرورة دعاة تصحيح التوازنات في العراق. وبهذا المعنى فإن خسارة سورية تنذر بإضاعة الميداليات التي حصدتها إيران في العقد السابق. تفكيك هلال الممانعة يضرب الدور الإيراني ويضعف في الوقت نفسه موقع طهران في المفاوضات النووية. لا تستطيع إيران تقبل خسارة سورية. لكنها لا تستطيع أيضاً إنقاذ النظام السوري. لقد أصيب هذا النظام بأضرار جسيمة وأعطاب أساسية. لا شك أن الحزب أصيب إصابات قاتلة. صورة الجيش تلقت هي الأخرى ضربات مفزعة. يمكن الحديث أيضاً عن أضرار جسيمة لحقت بصورة صاحب القرار. لقد استدرجت الأزمة السورية إيران إلى اصطدام علني ومروع مع الأكثرية في سورية والمنطقة ولهذا الاصطدام رنة مذهبية أظهرها تكرار حوادث خطف الإيرانيين في سورية. العزلة التي أصابت النظام السوري أصابت إيران أيضاً على رغم استمرار الممانعة الروسية. تتقلب إيران على النار السورية. لا تستطيع الاستقالة أو الابتعاد. ولا تستطيع في الوقت نفسه قلب مسار الأحداث. توجعها التطورات السورية وتوجعها العقوبات. منذ بدايات حربها مع العراق لم تواجه مثل هذه الظروف الصعبة. الهروب من الأزمة السورية بافتعال حرب في جنوب لبنان أو أزمة كبرى في الخليج يبدو محفوفاً بالأخطار. إرسال المتطوعين إلى سورية يعني إضرام الحرب المذهبية الإقليمية. المراهنة على الاحتفاظ بجزء من سورية يعني فتح باب التلاعب بالخرائط أي فتح أبواب الجحيم ويحتاج إلى موافقة فلاديمير بوتين الذي يحاول توظيف الدم السوري لترميم موقع بلاده. تتقلب إيران على النار السورية. تدشن أجيالاً جديدة من الصواريخ كملاكم قلق يذكر العالم بعضلاته. انقضى زمن اصطياد الميداليات الذهبية. جاء زمن الخسائر.