اكتسب نجم كرة القدم السوري عبد الباسط ساروت نوعاً جديداً من الشهرة عندما اندلعت الانتفاضة الشعبية ضد الرئيس بشار الأسد، فكان ينشد الأغاني خلال التجمعات الحاشدة لنعي المحتجين القتلى وانتقاد الرئيس. وتقول أغنية شهيرة لساروت «مالو بشار يقتل شعبه عشان كرسيه... حرام عليه، جرح الإخوة وجرح الوطن مين يشفيه... ربي يشفيه». وأصبح ساروت (20 سنة) رمزاً لحركة الاحتجاج التي كانت سلمية في بادئ الأمر. وبعد مرور نحو 17 شهراً تغير ساروت بشكل يظهر تطور الانتفاضة وتحولها إلى صراع مسلح ينظر له على أنه معركة مستميتة حتى النهاية سواء بالنسبة إلى الأسد والدائرة المحيطة به الآخذة في التلاشي أو إلى المقاتلين الذين أفرزهم الصراع. مسقط رأس ساروت مدينة حمص التي دمرت دبابات الأسد وقواته فيها الأحياء السنية الداعمة لمقاتلي المعارضة الذين انضم إليهم حارس المرمى الشاب. وهو بين عشرات الآلاف من السوريين من شتى الأطياف الذين حملوا السلاح بعدما أصبح من الواضح أن العنف إلى جانب الإصلاحات الظاهرية هي رد النظام الحاكم على المطالب السلمية بالتغيير. وقال أحمد زيدان، وهو ناشط معارض يعمل على تنسيق جهود مقاتليها: «الكتائب في أنحاء سوريا تضم الأشخاص انفسهم الذين خرجوا للتظاهر سلماً في مستهل الثورة وأطلق عليهم الرصاص وأجبروا على التحول من حمل اللافتات إلى حمل السلاح». وفي تموز (يوليو) أظهرت لقطات فيديو ساروت وهو يحمل قاذفة صواريخ ويسير مع مقاتلي المعارضة في حي الخالدية بحمص التي ضربها الجيش بمدفعيته لشهور. وصاح ساروت بغضب بالغ قائلاً إن عهد الجهود السلمية ولى. وأضاف «الخالدية أرض محررة لأننا لسنا ضباط جيش سابقين ولم نتوجه إلى تركيا لنترك آخرين يخوضون المعركة. انظروا حولكم لا يوجد رياض الأسعد ولا ضباط منشقون». وكان ساروت ينتقد كبار ضباط الجيش السوري الذين انشقوا وفر معظمهم إلى تركيا ويسعون جاهدين لتشكيل قيادة موحدة للمقاتلين داخل سورية. ومن هؤلاء الضباط العقيد رياض الأسعد الذي شكل «الجيش السوري الحر» في آب (أغسطس) 2011، لكن قادة هذا الجيش في تركيا ليست لديهم اتصالات كثيرة مع معظم الكتائب المسلحة العديدة التي تشكلت في أنحاء البلاد. وداخل سورية، فإن التعاون بين مقاتلي المعارضة و»تنسيقيات الثورة» غير كامل. كما أن العلاقات بين المقاتلين و»المجلس الوطني السوري»، وهو جماعة معارضة مقرها في الخارج، أكثر توتراً. وأدى تشتت معارضي الأسد وعدم وجود رؤية واضحة لأهدافهم إلى حرمان الانتفاضة من الدعم الدولي في مواجهة زعيم ما زال يلقى دعماً من العلويين وبعض السنة. وحاول المسيحيون وأقليات أخرى أن ينأوا بأنفسهم عن الصراع الذي يقول نشطاء إن 18 ألف شخص قتلوا خلاله. وفي محاولة جديدة لشغل الفراغ السياسي شكل معارضون محنكون لهم روابط وثيقة مع مقاتلي المعارضة تحالفاً جديداً الأحد قبل الماضي أطلقوا عليه اسم «مجلس أمناء الثورة السورية». وسرعان ما هاجم الأسعد اعتزام المجلس تشكيل حكومة انتقالية تضم «الجيش السوري الحر»، وقال إن هذا «تصرف أشخاص انتهازيين يريدون ركوب الثورة والاتجار بدماء الشهداء». كما لاقت الخطة استقبالاً فاتراً من «المجلس الوطني السوري»، لكن الاختبار الحقيقي للجماعة الجديدة ربما يكون ما إذا كان يمكنها الحصول على تأييد مقاتلي المعارضة. وقال الشيخ لؤي الزغبي وهو عضو في المجلس من مدينة درعا، مهد الانتفاضة في الجنوب، إن الوقت حان لإدراك أن الثورة مرتبطة بالنجاح العسكري على الأرض وإن المعارضة لم تكن لتصل إلى هذا الوضع لولا المقاتلين. وأضاف أنهم سيضعون خطة تجعل من المقاومة المسلحة أساساً لعمل المعارضة. ويضم المجلس شخصيات مثل أحمد التركاوي وهو خبير استراتيجي في حمص والزعيم القبلي نواف البشير من محافظة دير الزور في الشرق. كما تقول مصادر في المعارضة إن المنشقين عن الجيش ما زالوا أقلية بين مقاتلي المعارضة في أنحاء سورية. وتمثل مدينة الرستن استثناء لتلك التعليمات وهي تقع في منطقة جبلية على بعد 30 كيلومتراً إلى الشمال من حمص ومعروف أنها مصدر للمجندين في الجيش السوري. وترجع مصادر في المعارضة الفضل إلى «سرية الصقور للمهمات الخاصة»، وهي وحدة يتألف أغلبها من منشقين عن الجيش، في تفجير الشهر الماضي الذي أسفر عن مقتل أربعة من كبار مساعدي الأسد منهم صهره آصف شوكت في حي أبو رمانة بدمشق. وتقول مصادر في المعارضة إن أغلب تشكيلات المقاتلين منظمة محلياً وتضم كل منها ما بين 100 و150 مقاتلاً يعتمدون على التدريبات التي تلقوها خلال فترة تجنيدهم وكثيراً ما يلقون الدعم من سوريين مقيمين في الخارج يتحدرون من المنطقة ذاتها. وتتألف «كتيبة خالد بن الوليد» من شبان لهم خلفية قبلية في حمص ويمولها سوريون من الخليج. وقال أبو محمد القيادي في الكتيبة من مدينة أنطاكية التركية «لن تجد ابن قبيلة في حمص لا يعرف كيف يتعامل مع بندقية كلاشنيكوف». وهو جاء إلى أنطاكية لتلقي العلاج بعدما أصيب بطلق ناري في عينه. وهو يتذكر هجوماً في مطلع الانتفاضة استهدف حافلة تقل الشبيحة خارج حمص. وقال أبو محمد «كان عليها ملصقات للأسد وحسن نصر الله (زعيم «حزب الله»). حفزتني هذه الملصقات عندما اعترضنا طريق الحافلة بسيارة». وقال أبو عبد الله وهو مقاتل آخر في الكتيبة إنه تاجر أصبح مقاتلاً في صفوف المعارضة بعد أن وفد إلى حمص من الخارج في العام الماضي ليحتجز لمدة أسبوعين في منشأة تابعة للمخابرات الحربية لأنه كان «شاباً وسنياً». وقال المقاتل القوي البنية الذي لفحته الشمس بشدة بسبب القتال طوال شهور «في يوم من الأيام احضروا امرأة اعتقلوها إلى غرفة بجوار زنزانتي واغتصبوها بشكل جماعي طوال الليل. ما زال صراخها يوقظني من النوم». ونفى أبو محمد وأبو عبد الله ما تردد عن وجود أنصار لتنظيم «القاعدة» في صفوف المقاتلين قائلين إن الصراع يهدف إلى الإطاحة بالأسد وإنهاء حكمه. وقال عبد الله في إشارة إلى ما تردد عن قتل الشبيحة «ذبح النساء والأطفال ليس جزءاً من ثقافتنا». وتقول جماعات لحقوق الإنسان إن مقاتلي المعارضة ارتكبوا أيضاً انتهاكات خطيرة خلال الصراع. وتقول شخصيات من المعارضة مقربة من المقاتلين إن كتائب صغيرة نسبياً مثل «خالد بن الوليد» أكثر فاعلية من الوحدات الأكبر التي تعاني من خلافات سياسية. وسعت جماعات المعارضة في الخارج التي فاجأها تسارع خطى التحول إلى الطبيعة العسكرية في الانتفاضة إلى الحفاظ على نفوذ لها من خلال نقل المال إلى جماعات مختلفة للمعارضة. وتقول مصادر في المعارضة إن جماعة «الإخوان المسلمين» تساعد في تمويل «لواء الفاروق» في حمص الذي يضم آلافاً عدة من الأعضاء وهو أحد أكبر وحدات المقاتلين. وتركت مجموعة أساسية من المقاتلين - كانت قد تولت تشكيل اللواء - حمص بعد نزاع داخلي وتوجهت إلى دمشق لتنظيم المقاومة المسلحة هناك. وقالت شخصيات في المعارضة على صلة بالمقاتلين إنه تم الإجهاز على الخلية قبل ثلاثة أشهر في هجوم للجيش استهدف مخبأها في حي الميدان.