بعدما نجح السينمائي الأميركي آلان رودولف في تحويل سيرة حياة الكاتبة والصحافية الاميركية الراحلة دوروثي باركر إلى فيلم في العام 1994، أدت بطولته الممثلة جنيفر جايسون لي، ها هي المخرجة المسرحية الفرنسية ناديج ريغو تخوض تجربة مشابهة بعنوان «دوروثي باركر تلتهم النساء». المسرحية التي تعرض حالياً على مسرح «ثيو» في باريس، كتبتها ريغو بنفسها، استناداً إلى النصوص التي وضعتها باركر في شأن المرأة وطباعها ومزاجها المتقلب وكيفية تصرفها أمام الحب والعمل والحياة في شكل عام، ساخرة من عيوب جنس النساء على رغم أنها من أشد المدافعات عن حقوق المرأة. وكانت باركر (1893/1967) التي لمع اسمها كأديبة وشاعرة وصحافية ومؤلفة سيناريوات، برّرت كتاباتها حول ذلك في أيامها الاخيرة، بمقولة مشهورة مفادها أن «من يحب بشدة يعاقب بشدة». ومن المعروف أن باركر لمعت بفضل أسلوبها الساخر ونظرتها الحادة إلى المجتمع الأميركي ومناصرتها لحقوق المرأة، إضافة إلى تصريحاتها الطريفة التي ساهمت في شهرتها، من قبيل «عرفت الفقر ثم اغتنيت، لكنني فقدت كل شيء من جديد. وصدقوني إذا قلت لكم إن الثراء مهما كان ومهما يقال عنه، يبقى أفضل من الفقر». وشاركت باركر في تأليف سيناريو أحد أهم الأفلام الهوليوودية في تاريخ السينما وهو «ميلاد نجمة» الحائز جوائز عالمية بينها جائزة أوسكار عن فئة السيناريو تحديداً. أما المخرجة الفرنسية ناديج ريغو، فاختارت اللجوء إلى أربع ممثلات لتحويل مؤلفات باركر إلى مشاهد حيّة على الخشبة. ولعلّ أبرزها مشهد تظهر فيه ثلاث نساء جالسات حول الهاتف ينتظرن بفارغ الصبر أن يتّصل حبيب واحدة منهنّ ليعبّر عن حبه من وراء مكتبه في مقرّ عمله. ولكن الواقع يختلف عن حلم النساء الثلاث، فكلما رنّ الهاتف يكون المتصل رجلاً عابراً يستفسر عن أشياء ومعاملات رسمية فحسب. ويتناول مشهد آخر موضوع الغيرة بين النساء، حيث تتمادى باركر في وصف النتائج المترتبة على هذا الشعور، لكن ريغو رسمت موقفاً فكاهياً بين إمرأتين على الخشبة، لتشعر كل واحدة منهما بغيرة حادة تجاه الثانية وذلك إلى درجة التفكير في قتلها! وتتخذ المسألة شكل لعبة جهنّمية تنهيها تلك التي ستنجح في التخلص من غريمتها أولاً. وبين الممثلات المشاركات ليلى تابعي ذات الجذور المغربية والمولودة في باريس، وفلورانس فويريه مديرة المسرح التي تجمع بين الإدارة والتمثيل والتي تؤدي العدد الأكبر من الشخصيات الفكاهية في مشاهد مختلفة، ذلك أنها تجيد اللعب بتعابير وجهها وأيضاً بحركاتها الجسدية متحولة إلى بهلوانة حقيقية، خصوصاً عندما تمثل دور الغيورة القاتلة. وأسندت ريغو إلى نفسها مجموعة من الأدوار في العرض لا سيما تلك المبنية على الجاذبية وإبراز الأنوثة الطاغية، ويساعدها مظهرها الجميل في ذلك. بينما تتولى ديانا هافاس أداء شخصية دوروثي باركر نفسها، مستقبلة الجمهور على باب قاعة المسرح قبل أن تغلق الباب وتبدأ سرد الأحداث التي ستتحول رويداً رويداً إلى لوحات حية أمام المتفرجين، ومن ثم التعليق عليها بعد انتهاء كل مشهد. وحتى لا يخلو العرض كلياً من وجود الجنس «الخشن»، وضعت ريغو صورة رجل مسكين على طاولة تتوسط الخشبة، ليكون ضحية الاتهامات التي يوجهها فريق النساء إلى الرجال في شأن كل صغيرة وكبيرة. كما يلمنه كونه ولد ذكراً في الأساس. وفي ختام العرض تطلب الممثلات من الجمهور التصفيق الحاد للصورة وللممثل الذي وافق على المشاركة في المسرحية بهذه الطريقة الخطرة...