تعد وزارة الصحة من أكثر الجهات الحكومية التي استعملت معها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) «مشرطها» الرقابي حتى الآن، ويتضح ذلك من خلال بيانات «الهيئة» الصحافية التي تناولت «الصحة» مرة ب«المتابعة» وأخرى ب«المطالبة» وأحياناً ب«المساءلة». وبعد 7 أشهر من بدء «نزاهة» عملها أصدرت بيانات صحافية متلاحقة عن تقصير أو فساد في جهات حكومية عدة، مثل وزارات التربية والتعليم والنقل والشؤون الإسلامية والمياه والسكة الحديدية والعمل والشؤون الاجتماعية والأمانات وغيرها، لكن أكثر البيانات الصحافية تناولت مواضيع تخص وزارة الصحة، بدأتها قبل نحو 7 أشهر، بتاريخ 17 كانون الثاني (يناير) 2012، ثم تلتها عشرات البيانات، وتخللها «أخذ» و«رد» بين الجهتين، بعد أن كشفت «نزاهة» عن اختلاس وسرقة كميات كبيرة من اللقاحات والأمصال والأدوية والأجهزة الطبية من مستودعات مديرية الشؤون الصحية في إحدى المحافظات، لترد الوزارة بأنها هي من «بادرت بعد اكتشافها هذه التجاوزات وبعد التحقق من المعلومات الضرورية كافة بإبلاغ الهيئة لأنها جهة الاختصاص»، وعادت «نزاهة» مرة أخرى ببيان مطول فندت فيه ما ورد في بيان الوزارة. وتناولت «هيئة مكافحة الفساد» جوانب عدة من عمل وزارة الصحة ومرافقها في مختلف المناطق، فانتقدت أحياناً ضعف رقابة الصحة على مشاريعها، بعد أن رصدت «تعثر مشروع مركز صحي في منطقة عسير، وتسليمه لمقاول غير مؤهل»، ومرة أخرى حمّلت «الصحة» مسؤولية تعثُّر مستشفى الخبر وبرأت المقاول، وبعدها دعت «الهيئة» وزارة الصحة إلى التحقيق حول تعثر مشروع المركز الصحي بمركز وسانب في محافظة رجال ألمع، بمنطقة عسير، بعد أن رصدت أن أعمال المشروع متوقفة، وأن نسبة الإنجاز لم تتجاوز 31 في المئة. كما أن الهيئة أعلنت مرات عدة أنها تتابع تنفيذ مشاريع للصحة مثل تعثر تنفيذ المركز الصحي بمركز وسانب بمحافظة رجال ألمع بمنطقة عسير، ونقص الخدمات الصحية في مستشفى الولادة والأطفال في مدينة تبوك، وتتابع تأخر إنجاز مشروع مستشفى النساء والولادة في محافظة رفحا في منطقة الحدود الشمالية، ونقص الخدمات والكوادر الصحية في مستشفى مرات، وعبّرت عن رأيها في أحيان أخرى، كما لا تتوانى عن وصف مستشفيات مثل مبنى المركز الصحي في محافظة ثادق ومبنى المركز الصحي بقرية سوق العين بأن حالتهما «سيئة»، ومستشفى المجاردة العام بأن حالته «لا تليق بمنشأة صحية»، فيما ترصد الملاحظات وتعلنها، مثل ما فعلت مع مستشفى عفيف العام، الذي قالت إنها «رصدت 25 ملاحظة مهمة» حول وضعه. ولم تقتصر إجراءات «مكافحة الفساد» على ذلك، بل طلبت من «الصحة» مرات أخرى أعمالاً يجب تنفيذها مباشرة، مثل المطالبة بإخلاء مركز صحي أبو القعايد في محافظة صبيا بمنطقة جازان، وسرعة استكمال مشروع المركز الصحي الجديد المتعثر، وإجراء التحقيق في أسباب عدم إنجاز مشروع مستشفى الملك عبدالعزيز في مكةالمكرمة خلال مدة العقد، كما أنها سألت الوزارة عن تأخر تشغيل مستشفى المضة في محافظة خميس مشيط، وتعثر تنفيذ مشروع مستشفى حائل التخصصي سعة 500 سرير. وترد «الهيئة» على تصريحات مسؤولي الصحة أحياناً، إذ اعتبرت أن أعذار مدير مستشفى الصحة النفسية في جدة التي نشرت في إحدى الصحف «غير مقبولة»، ومرة أخرى ردت على مسؤولين في الصحة، معتبرة أن «وزارة الصحة أوقفت تنفيذ مستشفى الخبر لتطوير طاقته الاستيعابية، فانعدمت الاستفادة منه لا بالطاقة القديمة ولا المقترحة». وتستند هيئة مكافحة الفساد إلى تنظيمها في أكثر من مرة، إذ أشارت في أحد بياناتها الصحافية حول «الصحة» إلى أنها «تستند في ما تقوم به إلى المادة الخامسة من تنظيمها التي تنص على أن «على الجهات المشمولة، باختصاصات الهيئة تزويد الهيئة بكل ما تطلبه من وثائق وبيانات ومعلومات تتصل بأعمالها»، كما أن تنظيمها يخولها الرفع لخادم الحرمين الشريفين عن الجهات التي لا تتجاوب معها»، بعد أن امتنع مسؤول في الصحة عن تزويد مندوبيها بالوثائق والمعلومات المطلوبة. وزارة الصحة بدورها، أبرزت خلافاتها مع «نزاهة» عندما جرى الإعلان عن كشف تورط مسؤول في مديرية للشؤون الصحية في إحدى المحافظات في اختلاسات وسرقة كمية كبيرة من اللقاحات والأمصال والأدوية والأجهزة الطبية، لتعود بعدها وتثني على «الهيئة»، وبأنها «تقدر دورها لمكافحة الفساد، وما قامت به في سبيل نشر ثقافة النزاهة، وتعزيز الشفافية»، بل إن اجتماعاً تم بين أعلى مسؤولين في الجهتين (رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد محمد الشريف، ووزير الصحة الدكتور عبد الله الربيعة). وقالت «الهيئة» وقتها إن الاجتماع «ناقش القضايا التي تم التعاون بشأنها، وسبل تنسيق العمل في ما بينهما لخدمة الأهداف التي أنشئت من أجلها الهيئة، وأن وزير الصحة رحب بالهيئة ودعمها، بالتجاوب مع ما تطلبه من معلومات».