تستمر مسألة التسوية الديبلوماسية للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي في شكل خاص والعربي الاسرائيلي في شكل عام في سبات عميق، وكأنها موضوعة على رف السياسات الدولية والاقليمية في الشرق الأوسط رغم أنها تمثل احدى القضايا الأساسية في المنطقة، وذلك منذ عقد، فيما تجري في مواكبة ذلك محاولات بين الحين والآخر لاحتواء تصعيد محتمل وتوفير بعض الطمأنات والوعود، يعود مستقبل التسوية ليطرح بشدة، وبالطبع بشكل غير مباشر من خلال موضوع الاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربيةوالقدسالشرقيةالمحتلة. يعود الموضوع ليطرح من طرف اسرائيل، وهنا المفارقة، من خلال تقرير «لجنة ليفي» التي شكلت اساساً لبحث موضوع البؤر الاستيطانية وكيفية تشريعها باعتبارها غير قانونية، مع التذكير بأن كل استيطان في الأراضي المحتلة هو غير قانوني. وتأتي هذه اللجنة لتؤكد من جديد ما كانت المحكمة العليا الاسرائيلية قد اعلنته منذ 1967 او اليوم الأول لاحتلال الضفة الغربيةوالقدسالشرقية، من أن هذه ليست ارضاً محتلة لأنه لم يكن هنالك قبل ذلك طرف ذو سيادة معترف به يسيطر على هذه الأرض وكأنما هي في حقيقة الأمر ارض مشاع من دون أي صاحب، أو أرض يتيمة كما تحاول لجنة ليفي ان تقول. من وجهة القانون الدولي، حسب قراءة هذه اللجنة، تلتقي في هذا الأمر الشرعنة القانونية التي تقدمها اللجنة لتكريس الاستيطان وتعزيزه والشرعية الدينية، شرعية «الأساطير المؤسسة» لدولة اسرائيل واعتبار الضفة الغربيةوالقدسالشرقية جزءاً من اسرائيل الكبرى، بالطبع الى جانب الشرعية الأمنية التي ترى في الاستيطان خطوط دفاع امامية لدولة اسرائيل واحتواء إن لم يكن خنقا واضعافا لدولة البانتوستانات الفلسطينية التي ستقام يوماً ما على ما قد تتركه اسرائيل من اراض للشعب الفلسطيني. ولا يكفي استنكار البعض الدولي او شجبه لتوصيات هذه اللجنة طالما ان مسار الأمور منذ اليوم الأول للاستيطان شجع على استمراره. وللتذكير فلقد فاق عدد المستوطنين في الضفة الغربية 350 الف مستوطن بعد ان كان نصف هذا العدد عام 2000 عشية انطلاق المفاوضات حسب مرجعية مؤتمر مدريد للسلام، وهذا العدد لا يشمل حوالى 300 ألف يهودي انتقلوا للسكن في القدسالشرقية وحولها. وللتذكير بشأن السياسات التي شجعت على الاستيطان فان الخطاب الدولي، خطاب الأطراف القادرة والفاعلة المؤثرة، كان يعتبر الاستيطان خرقاً فاضحاً للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وهذه حقيقة الأمر، ليتحول بعد ذلك الى وصف للاستيطان بالعائق أمام السلام، ثم ليتراجع مجدداً الى الحديث عنه كعنصر غير مساعد للسلام، ثم الحديث عن المستوطنات غير الشرعية او ما اتفق على تسميته بالبؤر الاستيطانية، وهو ما يعتبر ضمناً ان هنالك مستوطنات شرعية تحظى على الأقل بشرعية الأمر الواقع. ولا بد من التذكير في هذا الصدد بالمواجهة الديبلوماسية الأميركية الاسرائيلية في اليوم التالي لوصول باراك أوباما الى الرئاسة ودعوته لوقف الاستيطان ثم تراجعه عن ذلك، كما هي الحال دائماً، لأسباب سياسية داخلية ايا كانت التبريرات او التفسيرات التي تعطى لذلك التراجع. خطورة الأمر ان استراتيجية ادارة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي تحديداً من منظور اسرائيل واضحة وضوح الشمس. يتم التصعيد السياسي من خلال تقديم شروط جديدة خارج المرجعيات الدولية ومحاولة اغراق اي مسار تفاوضي بالتفاصيل المسبقة بغية امتلاك القدرة على وقفه في اية لحظة قد تبدو ضرورية، او الى التراجع باسم احد الشروط التعجيزية التي تفرضها اسرائيل، هذا دون شك الى جانب الظروف الموضوعية الخارجة عن القضية الفلسطينية والتي تسرق الأضواء منها، وهي اضواء المخاطر وبالتالي الحاجة الى التعامل السريع مع اطفاء حرائق هذه المخاطر، وهي كثيرة في الشرق الأوسط منذ مطلع الألفية الثالثة: من المسألة العراقية وتداعياتها الى احتدام الصراع مع ايران وانتقال الثقل الاستراتيجي في المنطقة من المتوسط الى منطقة الخليج و «تبريد» المسألة الفلسطينية، ثم بدايات «الربيع العربي» الذي لا يلغي موقع القضية الفلسطينية في الوجدان الشعبي العربي لكن لا يجعلها في سلم الأولويات، طالما انها لا تغير قواعد اللعبة ولا تفرض ذاتها بشكل مباشر كعنصر مهدد للاستقرار والتوازنات الي يجري تركيبها. في ظل غياب أي احتمال لإطلاق مفاوضات جدية في قضية السلام في الشرق الأوسط وفي ظل انتظار فلسطيني عربي الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية للذهاب الى الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على الاعتراف بدولة فلسطين كدولة غير عضو في الأممالمتحدة، ورغم اهمية ذلك الانجاز عندما سيحصل، تستمر اسرائيل في سياساتها الناشطة على الأرض لنسف أي أساس للسلام حسب القواعد والمبادئ والمرجعيات المتفق عليها والمتعارف عليها دولياً، حتى تصبح التسوية مستحيلة ولتحقيق سلام الأمر الواقع: السلام الذي تصنعه السياسات الاسرائيلية وتحافظ عليه الأولويات الدولية والاقليمية القائمة ولو بشكل غير مباشر. يبقى ان أهم انجاز لتقرير «لجنة ليفي» هو دق جرس الانذار حول ربع الساعة الأخير قبل سقوط اي احتمال لتسوية سلمية عادلة. ربما يؤدي هذا «الانجاز» الى بروز عنصر «تغيير لقواعد اللعبة» GAME CHANGER، لعبة الحفاظ على الأمر الواقع، بما يسقط الوضع القائم ويفتح الباب لمتغيرات تعيد القضية الفلسطينية الى قلب الحدث استراتيجياً ويفرض على القوى الفاعلة دولياً واقليمياً في الشرق الأوسط العودة الى وضع قضية السلام في أولويات قضايا المنطقة. * كاتب لبناني