يرى المسنون من أهالي منطقة الباحة في اقتحام مطاعم الوجبات السريعة لمضاربهم، بمثابة تحدٍ كبير في الحفاظ على الأكلات الشعبية المرتبطة بالباحة منذ أكثر من 100 عام. وبالرغم من استخدام المطاعم السريعة للأجهزة الحديثة إلا أنها وفي الباحة بالتحديد خسرت الرهان أمام سطوة أكلات مثل «العصيدة» و»الدغابيس» التي لم تعط مجالاً للمطاعم السريعة أن تزحزحها عن مكانتها في قلوب أهالي الباحة. يقول العم عطية الزهراني وهو الآن شيخ في التسعينات من العمر: «إن منطقة الباحة تشتهر بأكلات شعبية تتميز باحتوائها على عناصر غذائية مفيدة، ما جعلها حاضرة في جميع المناسبات، أما المطاعم السريعة فلا تشكل منافساً للأكلات الشعبية بالرغم من توجه الجيل الحالي إليها، إلا أن الآباء والأمهات حريصون على المحافظة عليها من الاندثار». ويصف الزهراني «الدغابيس» بأنها عجينة من دقيق البر تقطع بحجم قبضة اليد أو أكبر وتشكل على أشكال دائرية ثم توضع في القدر المملوء بالماء المغلي مع اللحم والمرق، ويصنع منها أحجام كبيرة في مناسبات الزواج و لها طعم خاص في فصل الشتاء، إذ تمد الجسم بالدفء والطاقة الحرارية العالية. أما «العصيدة» فهي تأتي في الدرجة الثانية من ترتيب الأكلات الشعبية في الباحة وتصنع من أنواع الحبوب البر والذرة الصفراء والبيضاء والدخن ويتم تحريكها بعصا بسرعة متوسطة لتستوي بلزوجة معينة حتى تنضج وعادة ما تؤكل مع المرق واللحم والسمن والعسل. وتعتمد الأكلات الشعبية في منطقة الباحة في الغالب على المحاصيل الزراعية كون المنطقة من المناطق الزراعية الخصبة وذلك بواسطة مدرجاتها الزراعية. ويكشف العم غرم الله الغامدي عن كثير من الأكلات الشعبية التي تشتهر بها الباحة مثل (الخبز المقناة، العصيدة بالسويقة، المثرية، الفريقة، المخوض، قرص الميفا، المرقوق، الثريدة، فتة السمن والعسل، الملبنة، القرصان، المقطعة، الملبوزة، المعرق، الحميس). ولا يخشى غرم الله الغامدي على تلك الأكلات من الاندثار خاصة أن بعض أبناء المنطقة أقاموا مطاعم خاصة بها، مشيراً إلى أن المطاعم السريعة خسرت التحدي أمام الأكلات الشعبية، «خاصة أننا نعتبر الأكلات الشعبية من الأكلات الرئيسة يومياً في منازلنا، ومع تنوع أسمائها واختلاف المذاق إلا أن مكوناتها متقاربة». ويضيف: «يشترك الرجال مع النساء في طبخ هذه الأكلات وهو ما جعلها تتسم بالديمومة إضافة إلى أنه يمكن تناولها كوجبة إفطار أو غداء أو عشاء، وهي أكلات تتميز بسهولة طبخها وقلة كلفتها المادية ونحاول أن تكون هذه الأكلات الشعبية موجودة أثناء مناسبات الأفراح التي تقام في المدن خارج الباحة لتعريف الضيوف بها». وينسب الغامدي لتلك المأكولات الغنية بالقيم الغذائية، الفضل في تقوية أجسامهم رغم تقدمهم في السن، كما أنها أكسبتهم تعوداً على الصبر رغم ظروف الحياة القاسية التي كانوا يعيشونها، ويقول: «الأمراض التي تصيب الجيل الحالي في بداية العمر هي بسبب سوء التغذية التي تقف وراءها المطاعم السريعة».