نوقشت في كلية الآداب في جامعة جنوبالوادي أطروحة دكتوراه قدمها الباحث اليمني إبراهيم احمد المطاوع وموضوعها «جامع الإمام الهادي إلى الحق والمنشآت الملحقة به في مدينة صعدة باليمن». أشرف على الأطروحة الدكتور حسن الباشا أستاذ الأثار في جامعة القاهرة، وناقشها كل من الدكتور محمد عبد الستار عثمان عميد كلية الآداب في جامعة جنوبالوادي والدكتور ربيع خليفة أستاذ الأثار في جامعة القاهرة، ونال الباحث بعد مناقشته درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى وتوصية بالطبع على نفقة الجامعة والتبادل بين الجامعات. تعد هذه الأطروحة الأولى من نوعها عن تراث مدينة صعدة للتعريف بها وإلقاء الضوء على أهميتها التاريخية والحضارية. وصعدة كما يذكر الباحث، بفتح الصاد وسكون العين، مدينة يمنية تبعد عن صنعاء شمالاً حوالى 243 كلم، وتقع في سهل منبسط يعرف بقاع الصحن، وترتفع عن مستوى سطح البحر حوالى 1800 م. والمدينة الحالية التى اختطها الإمام الهادي إلى الحق، ليست المدينة القديمة التى وصل إليها عام 284 ه / 897 م، والتي تقع أطلالها على بعد نحو 5 كم جنوب غربي المدينةالجديدة. كانت صعدة القديمة في بداية نشأتها، محطة على طريق الحج والتجارة، أخذت تتسع بساكنيها وتتحول من مجرد محطة إلى مدينة، وساعد في ازدهارها، إلى جانب موقعها، اهتمام ملوك حمير بها الذين حرصوا على حمايتها وتأمين الطرق منها وإليها، بخاصة بعد اكتشاف خام الحديد فيها، وأقاموا على وادي رحبان، المطلة عليه المدينة، سد الخانق، لزراعة الأراضي الخصبة، التي كانت عاملاً مهماً من عوامل الاستقرار. ظلت لمدينة صعدة أهميتها التجارية والصناعية، حتى دخل الاسلام اليمن، فاكتسبت إلى جانب ذلك أهمية دينية وعلمية ظهرت بإنشاء الصحابي معاذ بن جبل أول مسجد له في اليمن فيها، ثم لم تلبث أن انتزعت الصدارة من صنعاء وزبيد لتصبح أهم مدينة في اليمن، بخاصة بعد قدوم الإمام الهادي. كانت صعدة قبل قدوم الإمام الهادي تابعة للخلافة العباسية، لكنها بدأت تشهد فترات من الصراع المرير بين أسرتين كانتا تتنازعان السيطرة والزعامة عليها. وزاد ذلك الصراع حدة محاولة إبراهيم بن موسى بن جعفر انتزاع صعدة ومناطق أخرى من اليمن عن الخلافة العباسية عام 200 ه / 816 م، فكان الأكيليون موالين للخلافة العباسية ضد ابراهيم بن موسى وتمكنوا بمساعدة الخليفة المأمون من القضاء على ثورة ابراهيم بن موسى، لكن الصراع مع خصومهم لم يهدأ بل ظل مشتعلاً حتى عام 284 ه / 897 م عندما توجه وفد من أهل صعدة إلى الرس بالقرب من المدينةالمنورة لدعوة الإمام الهادي يحيى بن الحسين الذي لبى دعوتهم، فكان قدومه إلى صعدة عاملاً مهماً في القضاء على الفتن والحروب التي كانت مشتعلة بين أهلها. بعد أن استقر الهادي في صعدة أرسل في طلب أهله من الرس وأنصاره من الطبريين من أهل طبرستان، فكانوا عماد جيشه. ويغلب الظن أن عددهم كان كبيراً، اذ تذكر المصادر التاريخية أن عدد من دفن منهم ممن قتلوا في المعارك التي خاضوها مع الامام الهادي بلغ 301، دفنوا جميعهم جنوب جامع الامام في المقبرة المعروفة باسم حائط الشهداء. والأرجح أنه ما إن وصل الطبريون إلى صعدة حتى بادر الهادي الى بناء مسجده وداره بعيداً من المدينة القديمة التي كان لعدد الطبريين الكبير أثر واضح في الإسراع في بنائها وتكوينها. ويمكن القول، كما يذكر المطاوع، إن اختطاط المدينةالجديدة عجل في خراب المدينة القديمة، وفي إفراغ أهلها منها إلى المدينةالجديدة هرباً من الصراعات والحروب التي أدت إلى خرابها، بدءاً بالحرب التى اشتعلت بين أبناء الامام الناصر أحمد بن الهادي بعد موته عام 235 ه / 937 م، بخاصة الحرب التي طال أمدها بين الامام المختار وأخيه الحسن، وكان آخر خراب تعرضت له المدينة عام 556 ه / 1161 م على يد الامام المتوكل على الله أحمد بن سليمان الذي أتى عليها تماماً. ويبدو أن المدينة القديمة كانت العاصمة السياسية، وكانت المدينةالجديدة العاصمة الدينية، لذلك ظلت بمنأى عن تلك الصراعات، حتى خربت صعدة القديمة تماماً، فأضحت صعدة الجديدة العاصمة السياسية والدينية. ويؤكد ذلك أنها ظلت من دون أسوار حتى عصر الامام عبد الله بن حمزة، 583 - 614 ه / 1187 - 1217 م، الذي كان أول من أدار حولها سوراً لحمايتها، أما سورها القائم بأبراجه وأبوابه، فيرجع إلى عمارة الامام شرف الدين عام 940 ه / 1533 م. وتذكر المصادر التاريخية أن بناءه استغرق خمسة أشهر. كانت المدينة حتى أواخر القرن السابع الهجري تتخذ شكلاً بيضوياً يمتد من الشرق إلى الغرب، وكانت تتكون من خمس حارات، سماها ابن المجاور بالدروب، وهي درب الامام، ويسمى حالياً بحارة درب الامام، درب القاضي، ويتكون حالياً من حارتي الشكة والسمارة، الدرب العتيق، ويعرف حالياً بحارة السوق أو حارة الجامع، درب القاضي زيدان ويسمى حالياً بحارة الحائط أو حارة الزيدان، درب الغز، ويسمى حالياً بحارة القصر. كان امتداد المدينة في ذلك الوقت الى جهتي الشرق والغرب، ولم يوقف امتدادها شرقاً إلا بلوغها حد الأراضى الزراعية، وهو السبب نفسه الذي أوقف امتدادها جنوباً، كما أوقف امتدادها غرباً بلوغها حد الجبانة الغربية للمدينة. أما الجهة الشمالية، فلم يكن ثمة مانع لتمددها، لذلك أخذت المدينة تتوسع شمالاً، فأصبحت تتكون من أربع عشرة حارة أحاطها الامام شرف الدين بسور من الطين، سمكه ما بين المترين والثلاثة جعل فيه أربعة أبواب هي: باب اليمن ويفتح في الجهة الجنوبية. باب نجران ويفتح في الجهة الشمالية على الطريق القادم من نجران. باب جعران ويفتح في الجهة الشرقية. باب المنصورة، نسبة إلى قصر المنصورة ويفتح في الجهة الغربية. وتضم المدينة 27 مسجداً منها: مسجد الداعي، مسجد القصر، مسجد الطاي، مسجد الذهب، مسجد زيدان، مسجد عليان، مسجد التوت، مسجد الذويد، مسجد الشمري ومسجد النور. وخصصت ستة من هذه المساجد للنساء هي: مسجد الصماء، مسجد القملة، مسجد مشبعة، مسجد بردس ومسجد برقطة. ومن أبرز معالم صعدة الأثرية منشأة مبنية من الحجر والطين تقع إلى الشمال الشرقي من الجامع بالقرب منه، يطلق عليها الأهالى تسمية وكيل الهادي، تتضمن في داخلها منشأة خربة يقولون أنها كانت دار الامام الهادي. وإلى الشرق منها كانت تقوم دار الضرب التي أنشأها الهادي. وتقع قلعة المدينة إلى الشمال الشرقي من الجامع، على تل يعد أكثر أجزاء المدينة ارتفاعاً. وترجع القلعة إلى فترة الوجود العثماني الثاني أي إلى عصر الامام المنصور بالله محمد حميد الدين الذي حكم في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري. أما جامع الامام الهادي إلى الحق موضوع الأطروحة فقد تتبع الباحث تطور عمارته منذ إنشائه وحتى العصر الحالي. كان تخطيط الجامع في عصر الانشاء يتكون من مصلى مستطيل الشكل في الشمال وفناء مكشوف في الجنوب يتضمن الملحقات. وكان المصلى مقسماً من الداخل إلى ثلاثة أروقة طولية بواسطة صفين من الأعمدة تكون بينها أيضاً أحد عشر رواقاً تمتد بين جدار القبلة والجدار الجنوبي. ورجح الباحث ذلك على أساس أن المصلى لم يشهد أي توسعة من جهة الغرب اعتماداً على المصادر التاريخية التي ذكرت أن التوسيعات في المصلى تمت من جهة الشرق، ويؤيد ذلك وجود موانع عدة تعيق التوسع غرباً، وهي المطاهر التي تقع جنوب غربي المصلى، وأيضاً وجود منحدر البئر. وكان الامام الناصر أحمد بن الهادي وسع المصلى لجهة الشرق برواق واحد. وتتابعت بعد ذلك الاضافات على المسجد. وللمسجد مئذنتان، المئذنة الكبرى، وهي تعد أكثر مآذن اليمن ارتفاعاً وتنفرد بموقعها الذي أقيمت عليه كبناء مستقل وغير متصل بغيره. وتنفرد أيضاً بسلمها الخارجي الصاعد إلى مدخلها المفتوح في منتصف القاعدة من جهة الشرق. وفي المسجد أيضاً مئذنة أخرى صغيرة تقع في الفناء الجنوبي. ومما تفرد به مسجد الهادي القباب التي تجمع بين التضليعات والتفصيصات مثل قبة المحراب، وقبة المدخل الشمالي. وثمة منشآت معمارية تفرد بها جامع الامام الهادي لم تتكرر في غيره وهي: حجرة السقايات، وهي حجرة ملحقة كان بها سقايتان للماء وخزانة لحفظ الزيت الذي كان يستخدم في اسراج المسجد وخزانة الكتب إلى الشرق من الايوان، وفيها عدد نادر من المخطوطات حذر الباحث من سرقتها، وقاعة المحكمة ضمن الملحقات الشمالية الغربية، وتتكون من حجرة مستطيلة التخطيط. وكان قاضي المدينة يجلس بها للفصل في المنازعات، والسمسرة، وهي منشأه كانت مخصصة لخدمة الأغراب ليتمكنوا من المبيت فيها أياماً عدة لقضاء ما جاؤوا من أجله إلى المدينة أو للاستراحة من عناء السفر.